Saturday 8 August 2020

قِصَّة: الناظرون عَبْرَ الكاميرا

 

     أصوات آلات التنبيه تقترب. الجلَبة المعتادة. الضوضاء المفاجِئة المتوقَّعَة! سيارةٌ فارهةٌ توقفت أمام باب الاستوديو. مقدمة السيارة مزيَّنةٌ بأشرطةٍ تمتدُّ من الزجاج الأماميّ إلى ما لا نهاية، حيث تنعكس من حافة السيارة إلى الزجاج، ثُمّ منه إليها عددًا لانهائيًّا من المرّات. أصواتُ الشباب والنساء جذبتني إلى خارج الاستوديو. الرجل الذي يجلس إلى عجلة القيادة يبدو في منتصف العِقد الخامس، ملامحُهُ جامدة، جبينُهُ مقطَّب وحاجباه معقودان. انفرَجا قليلاً وارتسمَت على وجهه ابتسامةٌ مصطنَعة والتفت قليلاً إلى العروسين الجالسين في المقعد الخلفي، بينما تحلّق الشباب والفتيات حول السيارة وفتح أحدهم البابين الخلفيين ونزل العروسان. العريس مشدود الأعصاب، شبحيّ الابتسامة. تراءى لي أنه على وشكِ أن يَدفعَ بقدمِه الشابَّ الذي فتح الباب لعروسه. العروس مشرقةٌ كالعادة، لكنّ إشراقتَها لا تخبّئُ قلقَها بشأن مظهرِها، كالعادةِ أيضا. اقتربوا من باب الاستوديو، وحيَّوني فأومأتُ برأسي رادًّا التحية وأفسحتُ لهم الطريق.

- ثواني، أنده لعمّ (عاشور).

     نزلتُ السُّلَّم الداخلي للاستوديو وناديتُ عمّ (عاشور) ثُمّ صعدتُ أمامَه وطلبتُ من العروسين ووالدتيهما أن يجلسوا جميعا حتى يصعد عمّ (عاشور).

- طيب، ما تصورنا انت يا عمّ؟ مش بتشتغل هنا؟!

     رددتُ بابتسامةٍ على اقتراح العريس العصبي، وحين هممت بفتح فمي لأشرح موقفي قاطعني صوت عمّ (عاشور) الممتزج بوقع خطاه الثقيلة على أعلى درجات السلم.

- يا ألف مبروك للعرسان. بالرفاء والبنين ان شاء الله.

- الله يبارك فيك. آا .. ننزل تحت ولاّ نتصور فين؟!

     قالها العريس في عصبيته الأولى، بينما عيناه وأعين النساء معلقة بالرجل ضخم الجثة رثّ الملابس ذي اللحية البيضاء المنفوشة، الذي يجرّ خطاه إليهم ويتكلم من قرار بئرٍ عميقة. أتفهم كيف أُخِذَت العروس والحماتان بهيئة الرجُل. ظلَّت إحدى الحماتَين مذعورةً تمامًا، بينما استعادت الأخرى رَباطة جأشها سريعًا وابتسمت في هدوء. مالت المذعورة على كتف الهادئة وسمعتُها تهمس:

- هو دا الفنّان اللي شُرتي علينا بيه؟

     قرصَتها الهادئة في فخذها فضحكت في عصبية. أشار عمّ (عاشور) للعروسين بأن ينزلا إلى الدور السفلي. تقدم العريس ثُمّ توقف أمام السلّم كمّن تذكّر الإتيكيت فجأةً فأشار إلى عروسه بأن تتقدمَه، وحمل عنها ذيل الفستان لئلاّ تتعثرَ به. التفت عم (عاشور) إلى السيدة الهادئة. أخذ يتفرّس ملامحها في جرأةٍ تعجبتُ معها من اتساع ابتسامتها المطّرِد!

- كأني شُفت حضرتك قبل كده!

- بس انزل صوّر العِرسان وبعدين نتكلم!

     هزّ كتفيه المكتنزتين في مرحٍ مكتوم، وهمّت السيدتان بالنزول خلف العروسين لكنّه أشار إليهما بالتوقف وقال في لهجته الجادّة التي أعرفها، والتي لا تخلو من لمسة مرح:

- ما عليهش يا جماعة، بس دي تقاليد الاستوديو، يمكن تِبان غريبة بالنسبة لكم، بس سُمعة الاستوديو كفيلة بإنها تقنعكم بإن اللي بيتعمل هنا بيطلّع أحلى صُور زفاف في البلد!

     همّت المذعورة بأن تُجادِلَه لولا قرصَتها الهادئة مرّةً أخرى في فخذها واستدار عم (عاشور) ليَتبع العروسَين، ثُم أشار إليّ بأن أتبعَه.

     لم تكن هذه أول مرّة يسمح لي عمّ (عاشور) فيها بمشاهدة عملِه في صُوَر الزفاف. كانت سُمعة الاستوديو طائرةً في وسط القاهرة كأفضل مكان لالتقاط صور الزفاف، وكانت هذه الصُّوَر مصدر رزقه الأهم. حكى لي أبي ذات مرّةٍ كيف تجاهل عمّ (عاشور) الصعود التدريجي لتصوير الأفراح بالفيديو، وظلّ واثقًا من أنّ تلك الموضة لن تؤثّر على النجاح الاستثنائي للاستوديو في صور الزفاف، ويبدو أنه كان مُحِقًّا بدرجة كبيرة. لم تتسنّ لي مشاهدة كثيرٍ من المصورين أثناء عملهم، لكنّ ما رأيتُه منه كان مذهلاً تماما. لم يكن مغرمًا بشرح ما يفعلُه، ولم أمتلك أبدًا الجرأة الكافية لأتمكن من سؤاله عن مبرر كل خطوةٍ يقومُ بها. لكنّه مثَلاً كان يضع في أحد أدراج مكتبه بالطابَق العلوي من الاستوديو ورقةً عملاقةً عليها تدرّجٌ من الألوان يقارن بها لون وجه كلٍّ من العروسين. لم أتوقع أبدًا وجود شيءٍ كهذا في العالَم! كنتُ قد رأيتُه كذلك أكثرَ من مرّةٍ يقيس بالمسطرة أجزاءَ من جسدَي العروسين في صورةٍ يقفان فيها وقفةً عادية! كانت هذه وغيرها بالنسبة لي تفاصيل مجنونةً، لكنّي أدركتُ أنها سِرُّ تميُّزه في صور الزفاف.

     وقف العروسان الوِقفة العادية أولاً، متجاورَين دون أية حيلةٍ من الحِيَل التي يقترحُها المصورون عادةً، وكان هذا بناءً على أمر عمّ (عاشور)! ثُمّ تركهما وصعد إلى أعلى وتبِعتُه. فتح دُرجَ مكتبه وأخرج ورقة ألوان الوجه والمسطرة، بين دهشة المذعورة وابتسامة الهادئة. نقل الصورة اليتيمة التي التقطها إلى الآن إلى الكمبيوتر ثُمّ طبعها وأخذ يفعل ما رأيتُه يفعلُه من قبل. حدّق قليلاً في السقف وهو يحرّك أصابع يُمناه ويتمتم بكلماتٍ غير مفهومةٍ، مستغرقًا في حساباتٍ غيبيّة، بينما المذعورة تنظر بطرف عينها إلى الهادئة وتحرّك أصابعها بجوار رأسها في إشارةٍ إلى جنون عمّ (عاشور)، فتلكزها الهادئة وتضحكان من جديد. عاد إلى العروسين وتبِعتُه.

     بأوامر من عمّ (عاشور) يجلس العريس كهارون الرشيد وتقف بجواره العروس مُمسِكةً بمروحة طويلة من الريش كأنها خادمتُه تحرك له الهواء، ثُم تجلس العروس ويجثو أمامها العريس ممسكًا يمناها بكِلتَي يديه كأنه يتوسل إليها، ثُم تقف العروس وحدها في الكادر مرّاتٍ عِدَّةً، في وضعيّاتٍ مختلفة، ثم يعود العريس للظهور معها ..

     استغرق الأمر ساعةً منذ دخول العروسين إلى الاستوديو. كان عمّ (عاشور) يقلّب الجسدَين أمامه بسهولةٍ شديدة، مرةً من خلف الكاميرا الثقيلة ومرةً دون حجابٍ من كاميرا. كانت العروس دائمًا أكثر تفهُّمًا لما يقصده، وكان يُثني عليها في كل مرّةٍ تأخذ وضعيةً جديدةً طلبها منها، وكان العريس يحاول طيلة الوقت أن يَكتُم غيظًا أوضح من أن ينجح في كتمانه! بعد كل صورتين أو ثلاثٍ كان العريس يصوّب إليّ نظرةً تمزج التساؤل بالغيظ، ويُطِلُّ منها سؤاله المكتوم كغيظه: "وانتَ يا ترى إيه لازمتك هنا؟!".

     أنهى عم عاشور جلسة التصوير وأشار إلى العروسين بالصعود أمامه على السلّم ثم تبعهما وتبعتُه.

- إن شاء الله 4 أيام وتستلموا الصور. طبعًا العرسان حيبقوا في شهر عسلهم، أي حد من طرف حضراتكم يقدر يستلم.

     قالها وعيناه لا تواجهان إلاّ الحماة التي خاطبها من قبل، والتي كانت تقرص الأخرى في فخذها. عرفت أنها أم العريس من حديثها مع العروسين. اتسعت ابتسامتُها من جديد مع كل كلمةٍ كان ينطق بها، ثم لم تلبث أن أجابته في هدوء:

- أنا حاستلمها منك. انت مش فاكرني طبعًا!

- أكيد صورت حضرتك قبل كده.

- في زفافي من 30 سنة. بس مش فاكرني إيه وانت أول ما شفتني قلت انك شفتني قبل كده!

     نظر إلى السقف بُرهةً ثم عاد من السقف إلى وجهها وابتسامته تختلط بمسحة حُزن مكتوم. أومأ برأسه لها قائلاً:

- أهلاً وسهلاً بحضرتك. دا الاستوديو بتاعك دايمًا، والزباين القدامى زي المحاربين القدامى، لهم امتيازات فوق العادة!

     أخذ العروسان والحماتان يغادرون الاستوديو وعم (عاشور) عيناه معلقتان بالعريس. كأنني لمحتُ في عينيه نظرة إشفاقٍ في هذه اللحظة. بادرتُه:

- إيه الحكاية يا عم (عاشور)؟

     أطرق ثم أشار إليّ بأن أتبعَه إلى أسفل، وفي الدور السفلي أشار إليّ من جديدٍ بأن أتبعه إلى غرفة التحميض القديمة التي لم تطأها قدماي أبدا. كانت الرائحة في داخلها تشبه الكلور. رائحةٌ قويةٌ جدًّا من الصعب تجاهلُها.

- إيه الريحة دي؟ غريبة شوية!

     تجاهل سؤالي وأشار إليّ بالجلوس على الشلتة المقابلة للباب. أطعتُ إشارتَه في صمتٍ منتظرًا ما سيُخرِجُه من درج المكتب القائم على يمين الباب. أخرج عددًا من ألبومات الصور لم أستطع إحصاءه بدِقّةٍ في البداية لكنني أدركتُ فيما بعد أنها سبعة ألبومات بالضبط. جلس على الشلتة المجاورة وناولني ألبومًا منها. صُور لعرائس في وضعيات مختلفة. عرائس فقط. دون عِرسان! ربما تظهر عروسٌ في عَشر صور، وربما تظهر أخرى في واحدةٍ فقط. اللافت أنه لا توجد واحدةٌ منهنّ متوسطة الجمال مثَلا. كلهن بارعات الجمال، أو هكذا خُيِّلَ لي!

- دي مجموعة حلوة جدًّا يا عم عاشور.

- دا كلام برضه؟! هو ممكن عمّك عاشور يصور صورة مش حلوة جدًّا؟

     ناولني ألبومًا ثانيًا وثالثًا، إلى أن أتيتُ على ألبوماته السبعة. في الحقيقة كانت الألبومات ضخمةً جدًّا ومن القطع الكبير. لم أشعر بالوقت يمُرّ عليّ وأنا أتصفح الألبومات، لكن يبدو أنه كان وقتًا طويلا. لم أعرف هذا إلا بعد أن اسمتعت بآخر صورة في آخر ألبوم. ساعتان! كان يأخذ منّي كل ألبوم أُنهي تصفُّحَه ويتصفحُه هو بينما يناولني آخر. تتابعَت على ملامحِه تعبيراتٌ كثيرةٌ كثيرة لمأستطع أن أصنّفَها بسهولة ضمن الحزن أو الفرح أو الغضب أو لذة التذكُّر، لاحظتُها وأنا أختلس النظر إليه خلال تصفُّحي الألبومات. عيناه تتسعان أحيانًا حتى تلتهما العروس التي في الصورة، وتضيق حدقتاهما أحيانًا حتى أكاد أجزم أنه يحاول رؤية شيءٍ بالغ الدِّقّة في الصورة!

- دول حريمي!

- نعم؟!

     قلتُها في لهجةٍ أدركتُ بعد أن نطقتُها أنها أقرب إلى الاستنكار، لكنّي في الحقيقة كنتُ أحاول أن أتفهمَ ما يقول. اتسعت ابتسامتُه وأطرق قليلاً ثُمّ عاد وناولني أول ألبوم تصفحتُه، وفتحه على مجموعة صورة لعروسٍ بعينِها، ودقّ بسبابتِه اليمنى على صور العروس وهو يناولني الألبوم. نظرتُ إليها مُجَدَّدًا فتبينتُ هذه المرّة على الفور أنها صورة الحماة التي كانت معنا منذ ساعتين في الطابق العلوي! ليست هي تمامًا، حيث تختفي تجاعيد الوجه في الصورة، وينسدل شعرُها الأسود الطويل على فستانِها قديم الموضة من تحت تاج العروس، وتأخذ ابتسامتُها في الصورة أبعادًا ليست لتلك المرأة التي رأيناها معًا منذ قليل، كما يقلّ وزنُ عروسِ الصورة كثيرًا عن المرأة ذات اللحم والشحم!

- مش أول واحدة تيجي ببنتها أو ابنها في يوم زفافه، واكون مصوّرها هي شخصيًّا من زمن الزمن في يوم زفافها.

     تهدّج صوتُه قليلاً ورأيتُ في عينيه ما يشبه دمعتين تترقرقان لكنّهما لم تجرؤا على المغادرة إلى خدّيه، أو ربما ابتلعَتهما عيناه في قسوة. أخذ منّي الألبوم وهو يتنهّد قائلاً:

- دول عرايسي. دول كل العرايس اللي صورتهم في حياتي. لمّا أقول لك انهم عرايسي، يبقى اقصد انهم عرايسي فعلاً. كنت عريس لكل واحدة منهم على الأقل ليلة، إذا ما كانش أكتر من ليلة. بس عريس من طرَف واحد!

     قال هذه الجملة الأخيرة ولهجتُه تختلج بالسخرية، ثم ضحك ضحكةً مكتومةً وربّت كتفي في أُبُوّةٍ وتابع:

- الناس من ورا الكاميرا غير الناس! والستات والبنات مش استثناء من القاعدة دي.

     قام من جانبي وفتح أحد أدراج المكتب، وتابع كلامَه وهو يُخرِج منه أنواعًا متعددةً من الكاميرات والعدسات المفردة وآلات الفلاش المنفصلة القديمة:

- كل كاميرا من دول وكل عدسة من دول بتعمل عملها الخاص بيها جدًا في العرايس.

     لم أدرِ لماذا خطر لي في هذه اللحظة أنه يتحدث عن عرائس المولد! ابتسمتُ للخاطر بينما تابَعَ وهو يعود إلى جِواري ممسكًا كاميرا قديمة الطِّراز:

- الـ(كوداك) اللي في إيدي دي كانت قادرة تمامًا من تلاتين سنة انها تحوّل أي عروسة لموناليزا. ما اقصدش انها بتحلّي العرايس وخلاص، لأ! بتحوّلها لموناليزا تحديدًا. موناليزا الشهيرة! بُص تاني لصورة الست اللي جات لنا من شوية.

    ناولني الألبوم الأول للمرة الثالثة، وهو يفتحه على صُوَر العروس التي كانت منذ ثلاثين عاما. كنتُ أرى في الصُّوَر ما أخذ يتحدثُ عنه بالضبط:

- نظرة العين الغامضة اللي تحيّرك، هي بتبُصّ لك ولاّ بتبُصّ لحاجة وراك وانت بالنسبة لها شفّاف! العروسة دي كانت أرفع من دلوقتي زي ما انت شايف طبعًا، لكن في قعدتها على الكرسي بالشكل دا كانت مليانة بالظبط زي موناليزا. سمرا شويّة، لكن تبان لك في الصورة اللي باصّة فيها بجنب دي، بالظبط لون موناليزا!

     ناولتُه الألبوم، وأخذ يضحك ضحكةً تختلط فيها المرارة بالإشفاق بالسخرية، وقال بين ضحكاته:

- العريس بتاع النهارده دا مسكين! أمه ومراته من حريمي! حاسس انّي محقوق له والله!

     أخذ يتفرس صورة العروس التي أصبحت أم العريس، وأخذت أصابعه تتتبّع خطوط جسدِها. سبابتُه كأنها ترسم عروسًا فوق العروس الظاهرة في الصورة، لها صدرها الذي يبدو ريّان في صورة الجلوس على الكرسي، وخصرها الضامر وذراعاها الممدودتان بباقة الورد. اتسعَت عيناه رويدًا رويدًا وتمدّد جسدُه العجوز على الشلتة، وتصلّبَت أطرافُه قليلاً كمَن يعاني نوبةَ صرَعٍ خفيفةً، ثُمّ ارتعدَ قليلاً وهو يحتضن الألبوم مفتوحًا على صورة عروسه القديمة، والتفّت الساقُ بالساق، وأخذ يعَضُّ على الحافة العليا للألبوم بينما يصدُر من بين شفتيه المنفرجتَين قليلاً صوتٌ لم أسمعه منه من قبلُ، أقرب إلى المقطع الأول من صياح الديوك، ممطوطًا حتى خُيِّلَ لي أنه لن ينتهي! لكنّه انتهى. خفَت تدريجيًّا وأغمض عم (عاشور) عينيه وهو يقبض إليه جسدَه قبضًا يسيرا. مكث على هذه الحال دقيقتين قبل أن أنبّهَه إلى صوت خطواتٍ تنزِلُ السُّلَّم إلينا من الطابق العلوي. فتح عينيه عندما كان العريس الذي يتميزُ غيظًا منذ ساعتَين واقفًا في منتصف الغرفة ممسكًا هاتفَه المحمول ملوّحًا به في ارتباكٍ وهو يقول:

- آسف جدًّا، بس رجعت لأني اكتشفت بعد ساعتين انّي نسيت الموبايل هنا!

     طوى عم (عاشور) الألبوم سريعًا ووضعه جانبًا وهو يقوم إلى العريس. كانت رائحة الكلور قويةً في هذه اللحظة. ربّت كتِفَه ثم قرّبَه منه والعريس في دهشةٍ لا يعرف ماذا ينوي أن يفعل الرجُل. فاجأه عم (عاشور) كما فاجأني بتقبيل جبينه في أُبُوّةٍ وهو يقول بينما يربّت خدّه بكفّه اليمنى:

- خلّي بالك من عروستك يابني، وخلّي بالك من والدتك. دول جوهرتين.


محمد سالم عبادة
نُشِرَت في مُلحَق الأهرام الأدبي يوم الجمعة 5 يونيو 2020
من مجموعتي القصصية (الناظِرُون) - مُعَدَّة للطَّبع