Saturday 14 January 2012

من تجارب عام 2011 - آخِرُ الكِتابة



بَطَلَت دَعاوَى مُضمَري وصَريحي ..
لِتُهاجِم الجِرذانُ شُرفةَ رُوحي

لا عَذبَ في غَزَلي
ولا استعلاءَ في فَخري 
ولا دمَ طالَ شوكَ مَديحي !

صَدِئَت مفاتيحي ،
وأُرتِجَ يا قصيدُ عليَّ ، 
ما مِن مُخرَجٍ لِفَحيحي .

لا رأسَ أفعى دُستُهُ بقصيدةٍ
إلاّ تَسَرَّبَ ذَيلُها بِقُرُوحي ..

ضَبَحَت كُسورِي العادِياتُ بِدَفتَري
فعَدِمتُ مَوضِعَ حافِرٍ لِصَحيحي ..

أسرَفتُ في استمناءِ تَجربَتي
فَخَرَّ السقفُ مِن فوقي ، 
وقامَ ضَريحي

يا لعنةَ الحرفِ الرَّكيكِ ،
أكُنتُ مُنذُ البَدءِ أكتُبُ كُلَّ غَيرِ فَصيحِ؟!

هَدَّ انحناءُ الضَّادِ ظَهْرَ كِنايَتي ،
وَبِرغمِ أنفيَ تُبتُ تَوبَ نَصُوحِ

حانت نهايةُ ذلك الفَيَضانِ ،
يا ليتَ المجازَ 
يَحيكُ قارَبَ نُوحِ !
2009- 6/5/2011

Friday 13 January 2012

من تجارب عام 2010 - المقامُ الدفيء (مستوحاةٌ من فيلم Amadeus)



أتعرِفُ ما القِشرةُ الجَوهَرُ؟
وما السَّهلُ مأخذُهُ
الأوعَرُ؟؟

وما قد تراهُ لَطيفًا
وقد لا يَراهُ الفتى
وهو الأخطَرُ ؟؟

هو السِّحرُ يبقَى جَلِيًّا خَفيًّا
إذا سكتُوا
وإذا فَسَّرُوا

أهيمُ على ضفَّةِ العبقريةِ
أنظُرُ
من حيثُ لا أنظُرُ ..

يُخايِلُني الاحتمالُ المُحالُ
فأمخُرُ في نشوةٍ
أمخُرُ ..

وحينَ يَرَى الماءُ ساقي تُحاوِلُهُ
يتبَخَّرُ
أو يَحسِرُ !

بهذا المُدرَّجِ ذي خمسةِ الأسطُرِ
الوَيلُ لي
خمسةٌ أسطُرُ :

رأيتُ بأُذْنَيَّ نافُورةً تتفجَّرُ
هل ذا أنا أفجُرُ ؟!

ملائِكَ يَمشونَها مُطمَئِنِّينَ
والخطوُ من خَلفِهِمْ
يُزهِرُ ..

وآلهةً في ثيابِ الرجالِ
ورُوحًا من العاجِ لا تُنكَرُ

لماذا أرى كلَّ هذا الجَمالِ
ولا يَفتُرُ اللحنُ
أو أفتُرُ ؟!


لماذا أجاهدُ في نَغمةٍ
إذا أمسَكَتها يَدي تَنفِرُ؟!

فُطِرتُ على رَغبةٍ /ليلةٍ
من السُّودِ
ليلاءَ لا تُقمِرُ

لقد أورَقَ السَّطرُ
قد نَوَّرَ السطرُ
قد أثمرَ السطرُ
مَن يَسطُرُ ؟!

إذا اتَّكأَ الوحيُ عندَ البِدايةِ
فالسطرُ مِفتاحُهُ يَشعُرُ

تَجوَّلتَ يا ذِئبُ في رَغبَتي
وتَنهَشُ
والسُّخطُ بي يَقطُرُ

أنا دافِئٌ
في مقامٍ دَفيءٍ مُمِلٍّ
وسُوسِيَ بي يَنخُرُ

وأنتَ
على بَردِ هذا الجُنونِ
تُحَلِّقُ فوقي
وبي تَسخَرُ

ستُملي عليَّ غدًا لحنَ موتِكَ
ها أنا شانِئُكَ الأبتَرُ

ويَقبِضُكَ المجدُ
في لحظةٍ ..
ويَغمُرُني العَدَمُ الأكبرُ !
...
من ديواني (قُدّاسٌ أسود) - تحت الطبع منذ أكثر من عامٍ ونصف!!
يظهر في الصورة الفنان الأمريكي ذو الأصل السوري (فريد مراد الإبراهيم) مجسِّدًا دور الموسيقار الإيطالي (أنتونيو سالييري) معاصر (موتسارت) في فيلم (أماديوس) للعظيم (ميلوش فورمان)، من إنتاج عام 1984 . والفيلم حاز 8 جوائز أوسكار ، بينها أفضل ممثل لفريد الإبراهيم ..

Thursday 12 January 2012


الطُّغرَى .. جغرافيا (يوسف رخا)
نهايةٌ البلاغة .. نهايةُ الجغرافيا .. وأشياء أخرى!



مع اعترافي الكامل بأنَّ Angel Clair الآتي من Tess of the d'Urbervilles
هو بطلي المفضَّل، وأنّي أكثرُ ما أكونُ تماهيًا فمع روايةٍ للمرحوم (توماس هاردي)، حيث هو دائمًا مُتَّسِقٌ مع ذاتِهِ، وقضاياه الأساسيةُ مبسوطةٌ كالأرضِ قبلَ إثباتِ كُرَوِيَّتِها، وبأنَّ ما اصطُلِحَ على تسميتِهِ (الأدبَ السِّيس) هو تياري المفضَّل، إلا أني مؤمنٌ بأنَّ (كتاب الطُّغرَى .. غرائب التاريخ في مدينة المرّيخ) لصاحبها (يوسف رخا) روايةٌ عظيمة ..

·       نهايةُ البلاغة: في معرضِ حديثي مع أكثر من صديقٍ عن الروايةِ (أثناءَ قراءتِها) كنتُ كثيرًا ما أعربُ عن اعتقادي في أن الروايةَ تؤسِّسُ لبلاغةٍ جديدة .. استندتُ في هذا الاعتقاد إلى ملاحظاتٍ ساذجةٍ شديدة الجزئية ، أتصوَّرُ أنه يمكن إجمالُها في عدة مجموعات:
أ‌-                 الصور الجزئية المتناثرة في سياق الرواية وفي القصائد النثرية التي كتبها (مصطفى الشوربجي)، والتي تشبهُ اكتشافًا مدهشًا ومثيرًا للضحِكِ في آن .. مثالُ ذلك قول (الشوربجي) في القسم الأول: "الأملُ يلاعبُني مثلَ اليويو" .. طرافةُ الصورة ممتزجةٌ بسخريةٍ ضمنيةٍ مُرَّةٍ لا تدعُكَ تفغرُ فاكَ مستحسنًا لما يزيد عن جزءٍ من الثانية، فأنتَ مضطرٌّ أن تنهارَ ضاحكًا .. فقط أدرِكْ تحوُّلَ الأمل من خصيصةٍ إنسانيةٍ مرنةٍ لَدنةٍ إلى آلةٍ جامدةٍ تستدعي بحضورِها طفولةً بلهاءَ هي الياي/اليويو على طريقة (هنري برجسون) لتغيبَ في نوبةِ الضَّحِك .. خذ مثالاً آخر في القسم السادس حيث يقول الراوية: "شيءٌ مثل عمارة ما كدتَ تعيشُ في إحدى شققِها حتى ساحت عواميدُ الأساس." متحدِّثًا عن اعتناق (أمجد صلاح) للمذهب السَّلفِي بعد ظهور السلطان له كما يتصور (الشوربجي) .. هو يرى أن هذا التحول في شخصية (أمجد) كان بحثًا عن الارتياح من القرار، لكنَّه في هذه اللحظة البلاغيةِ لم يكن بحثًا بالمعنى الدارجِ الذي يتطلبُ حضور الوعي .. إنه بمثابة انهيار (سَيَحان) لأساساتِ دماغ الرجل .. طزاجةُ الصورة الأسمنتيةِ ملطَّخةٌ هنا باختيار مفردةٍ بعينِها: (ساحت) مستدعيةً شريطًا من الصُّوَر عن سياقِ الكارثة النووية و(انصهار/سيَحان) الأشياء أكثرَ من انهيارِها .. هنا أنتَ مدفوعٌ باختيار المفردَةِ داخلَ الصورةِ إلى اكتئابٍ أبوكالبسيٍّ محتَّم ..
ب‌-           استيرادُ أبنيةِ الجُمَل الإنجليزية وتعريبُها ، كما في اختيار المؤلف في كثيرٍ من المواضعِ للسؤال التذييليِّ المختصر للتقرير: "لا؟" بدلاً من "أليسَ كذلك؟" .. من المؤكَّد أن ازدواجية لغة المؤلف مسؤولةٌ بشكلٍ كبيرٍ عن هذا الاختيار .. لكنَّهُ يظلُّ اختيارًا في النهايةِ ، أي أنه مقترنٌ بقصديةٍ لا تخفَى، ربَّما لإحالةِ القارئ العربيِّ مزدوجِ اللغةِ إلى إنجليزيتِهِ لإثارة سؤال الهُوِيَّةِ حتى على مستوي الـtag question!!
ت‌-           الإحالاتُ المعرفيةُ المُضمَرَة .. أعني بذلك الجُمَلَ البسيطةَ التي تردُ في سياقٍ ما، وتُحيلُ قارئها إلى وعيِهِ بحقلٍ معرفيٍّ بذاتِه .. من أمثلة ذلك قول (الشوربجي) في القسم الأول كذلك واصفًا حالَهُ في أيام انهيار زواجِهِ وابتعاد زوجته عنه جسديًّا: "هكذا أقولُ لنفسي، وأستمتعُ بالتَّبَرُّزِ أكثر مما ينبغي". إحالةً إلى تصوُّر (فرويد) عن مراحل النمو الجنسي في الإنسان، وتحديدًا لما أسماه بالمرحلة الشرجية .. هذا الارتداد المُحزِن يُفترَضُ أن يثيرَ شكلاً من أشكال التعاطف لدى القارئ الذي يعي ذلك التصور ..
ث‌-           تفصيح و(ترسيم) ما هو دارجٌ كاستبدال الجمل الاعتراضية التي تردُ دعاءًا للمُخاطَب في الرسائل التراثية مثل (فاعلم – أصلحكَ اللهُ – أنَّ ...) بعبارةٍ وحيدةٍ هي (قشطة عليك) .. يحدثُ هذا بشكلٍ عرَضِيٍّ عند الجميع، كوسيلةٍ لاختراق هيبة النَّصِّ وإحداثِ قدرٍ من تغريب المتلقي على استحياء .. لكنَّ (رخا) يستخمه بشكلٍ منهجيٍّ مقصودٍ لذاتِهِ، فيضرب عدةَ عصافير بطلقةٍ واحدة، فهو يسخر من الأبنية التراثية المتجذرة في وعينا الجَمعِيِّ وينسفها، ويصالحُنا على ما نقولُهُ خارجَ الصفحة بشكلٍ ما أو بآخَر، ويضعُ القارئ على أرجوحةِ الإيهام وكَسرِهِ بطول الرواية.

  آه! هناك المجموعةُ الخامسةُ الأبرز على الإطلاق، لكنَّها كانت كفيلةً بأن تقلبَ وحدَها إدراكي للموقف البلاغي للرواية من (تأسيسٍ لبلاغةٍ جديدةٍ) إلى (نهايةٍ للبلاغة) .. أعني بذلك .. أعني .. أعني ......!
  ربَّما دارت البلاغةُ الحديثةُ كلُّها حولَ مغازلةِ المُحرَّم/التابُو .. لا يفعل (يوسف رخا) كالآخرين .. إنه يخترقُ التابُو إلى نهايته .. لا توجدُ كلمةٌ نابِية .. كلُّ الكلماتِ أدواتٌ متاحةٌ، فلنقتَرِفها معًا جميعا .. في عزِّ اللغةِ التراثية التي يعتمدُها لفقراتٍ بأكملِها، يفاجئني بكلمةٍ كان مفترضًا أنها (تابُو) فيما قبل، فأقعُ في فخ (هنري برجسون) الذي لا فِكاكَ لي منه مُجدَّدًا، وأدركُ تحوُّلَ اللغةِ إلى آلةٍ غبيَّةٍ يبدو أنها تتعطَّلُ رغمًا عن أنفِها، فأموتُ من الضحك.
  ما أريدُ أن أخلُصَ إليه هو أنه بالتوسُّعِ المُمَنهجِ في هذا الاستخدام للغة ، لا يعودُ هناك مكانٌ لما يُسمَّى في الاصطلاح الإنجليزيّ Euphemism وهو تلك الكنايةُ (أو ربَّما هو الفألُ الحسنُ في سياقٍ ما) التي تحلُّ محلَّ كلمةٍ لا نحبُّ ذِكرَها ، وتعتمدُ إزاحةً دلاليةً بعينِها لكلمةٍ أخرى .. فعضوُ الأنثى التناسلي في الأقسام الأخيرةِ من الروايةِ ليسَ إلا اسمَهُ كما يقولُهُ المصريون والشوامُ في جلساتهم المتحررة .. ليس مِهبَلاً ولا عَجانًا ولا إنسانًا ولا غيرَ ذلك مما يمكنك أن تفكرَ فيه .. ليس ذلك فحَسبُ، وإنما هو يأتي مُشكَّلاً بالتشكيل العربي الرصين، كخطوةٍ أولى في سبيل اعتمادِهِ لفظةً رسمية!! كيف يمكن أن تبحثَ اللغةُ بعد ذلك يا عم (يوسف) عن كنايةٍ أو يوفيميزم؟؟ من الآنَ فصاعِدًا ستُقترفُ الإزاحاتُ الدلاليةُ عن اختيارٍ فضفاضٍ، كما فعل (الشوربجي) نفسه حين سمَّى عُضوَ (كلودين): (الباشمهندس) ..! صحيحٌ أننا نستخدم كمصريين هذا اللقبَ للإشارة إلى فصيلٍ غير متجانسٍ واسعٍ من الأشياءِ والأحياء، إلا أن (الشوربجي) اكتشفَ مبرراتِهِ البَعديةَ لهذه التسمية لاحِقًا، فعضوُها هندسَ له عالَمَهُ المُنهارَ في الفترة التي تلت اكتشافَهُ لمهمته المقدسة وأضفى معنىً ما على حياتِهِ، بالإضافةِ إلى أنَّهُ يشبهُ أباهُ في تضمُّخِهِ بعطرٍ خاصٍّ جدًّا، هو المسكُ الأبيضُ في حالة أبيه المهندس، والرائحةُ الحميمةُ لـ(كلودين) في حالة عضوِها!
  هاه؟! هل الاختيارُ مسؤولية؟؟ يبدو أننا في المرحلة القادمة من الأدب على أبوابِ اختيارٍ غير مشروطٍ على الإطلاق .. هل نحنُ أمامَ تجلٍّ آخرَ لمفهومِ (سارتر) عن الأدب الملتزم والمسؤولية المبنيةِ على الاختيار المُطلَق؟؟ رُبَّما .. الأكيدُ هو أن الكناية صارت اختيارًا حُرًّا، نركبُها أو نتركُها، وليست حتميةً كامنةً في اللغة لا مفرَّ منها كما هو الحالُ قبل (الطُّغرَى) ..

·       أرجوحةُ التغريب والإيهام: بين (خُطبة الكتاب) التراثية و خاتمته التراثية كذلك، وإجمالهما لتغيُّر راوي الأحداث من شخصٍ أول هو البطلُ (مصطفى الشوربجي) في الأقسام الأول والثاني والرابع والخامس والسابع، وراوٍ آخرَ غير معيَّنٍ يتكلمُ في الأقسام الثالث والسادس والثامن والتاسع، تتمثَّلُ الأرجوحةُ القاسيةُ التي تطرحُ المتلقي في بئر الوهم الأدبي على مخملٍ ناعمٍ كما في حُلم (مصطفى الشوربجي) الذي يعاودُهُ كثيرًا ويمثلُ معادلاً موضوعيًّا ما لعدةِ أشياءٍ ((بينها هذا الأمرُ وبينها اكتشافه لجسد (كلودين يوسف) وبينَها الطريقُ المخمليُّ في قصر السلطان والذي يشبهُ إرهاصاتِ الكارثة))، ثم تعودُ تنتشلُهُ من هذا البئر، فيقول الراوي نصف العليم في الأقسام الأخيرةِ (من كوكبِنا نحنُ) حين يرصُدُ أحداثَ الأيامِ الأخيرةِ للشوربجي قبل سفره إلى بيروت. شبهُ الجملةِ الافتتاحيُّ هذا بحدِّ ذاتِهِ يمثل جهدًا جبّارًا في محاولة فصل ذاتِ الكاتب عن مجرى الأحداث ليرصُدَها برؤيةٍ مختلفة .. لكنَّهُ يتماهَى في النهايةِ مع (الشوربجي) كما يعترف بذلك في خاتمة الكتاب، عن طواعيةٍ تنتصرُ لمركزية الذاتِ في العالَم ..
       ربَّما يتصلُ الأمرُ برؤيةِ (يوسف رخا) لدَور الروائي .. أرَّقني هذا الهاجسُ وأنا في منتصف الرواية تقريبًا .. هل على الروائيِّ أن يكون راصِدًا محايدًا تدور الأحداثُ من حولِهِ وليس له إلا أن يروي ويُبدي دهشتَهُ في بداية الرواية ونهايتِها كما فعل (دوستويفسكي) في (الإخوة كارامازوف)، أم يُفترضُ أن يشاركَ في صنع الواقع الروائيِّ وينقلَ إلينا رؤيتَه طول الوقت؟؟ أم أنَّ هذا السؤال قديمٌ وعفا عليه الزمنُ ولا مجالَ لفتحه لأنه موغلٌ في السذاجة؟!!
   المهمُّ أن هذه التقنية الأرجوحيةَ تسهمُ بقدرٍ ما في إثارةِ وعي المتلقي .. تكشفُ بقدر ما تحجُب .. هل .. هل يمكن أن تقفَ على الموقف الأيديولوجي للمؤلفِ مثلاً بعد قراءة الرواية؟ نعم ، الراوي يتفق مع (الشوربجي) – كما يتبين في خاتمة الكتاب- على التماهي مع رؤيته والكتابة بطريقته، لكنَّ (الشوربجي) يبدأ الأحداثَ حائرًا ممزَّقًا (طلعان ميتينه – كما يحب أن يقول)، ويُنهيها حائرًا باحثًا عن حلّ .. هل سيجدُ حلاًّ ما لأزمة وجوده؟ لا أتصوَّرُ أنه بإمكان أحدهم أن يجزم بذلك، إلا أن يقول أن الرحلةَ بذاتِها/ السَّفر هو الحل (إشكالية رواية ساحر الصحراء لكويليو) !!

·       توتُّرُ القيمة: هل كان ضروريًّا أن ينخرط (مصطفى الشوربجي) في علاقةٍ (آثمةٍ) مع (كلودين) ويعبُرَ (باشمهندسَها) لكي يصِلَ إلى مكان رقٍّ من رقوق سورة (مريم) الموعودة؟! يبدو أنَّ هذا مقصودٌ بوعيٍ قاسٍ هو الآخَر .. ربَّما اختيرت سورةُ (مريم) لأنَّها تعبر – كما يقول السلطان أو الشوربجي في ذلك المشهد ، لا أذكر – عن تسامح الدولة (العَلِيَّةِ) العثمانيةِ إزاء (النصارَى) .. رُبَّما .. فهل كان اختيارُ عضو (كلودين) مَعبرًا إلى السورةِ سابقًا أم لاحقًا على اختيار السورة؟؟ أعني أن شخصيةَ السيدة (مريم) (العذراء) هي المعادلُ الموضوعيُّ للعذرية والاحتفاء بها في الإسلام (الهوية المطروحة للبحث والمناقشة بطرقٍ مختلفةٍ في الرواية)، فماذا الآن؟!!
المدهشُ أنَّ (الشوربجي) يتساءلُ وهو أمام عضو (كلودين) عن سرِّ انطباقِهِ على بعضه وخجلِهِ العذريِّ ، وهو الذي تخيلَهُ شَبِقًا منفتحًا على الدنيا باعتبار أنها زوجةٌ وأمٌّ لأكثر من طفلٍ منذ عددٍ من السنين .. ثُمَّ هو في النهاية شبهه بزهرة تيوليب (خزامَى)، وأخيرًا بزهرتَي تيوليب فوق بعضهما، ثم رسم الزهرتَين أعلى إحدى صفحات الكتاب!
  إلى هذا الحدِّ يمتزجُ الإثم والبراءة؟ ربَّما اختيرت سورةُ (مريم) دون بقيةٍ سور القرآنِ للإشارةِ إلى شيءٍ أعمقَ من مجرد تسامح العثمانيين مع المخالفين في الدين .. إنه تسامح واستيعابُ الهوية المفتقدَة نفسِها للإثم وخرق المحظور .. أتصوَّرُها رسالةً ضمنيةً في الروايةِ تستحقُ البحثَ والتوقفَ عندها ..

·       روايةُ المؤامرة؟!: أو بالأحرى رواية التهكم على المؤامرة .. هل الروايةُ فتحٌ في أدب المؤامرة باللغة العربية؟!! تبدو كذلك لوهلةٍ عند منتصفِها .. السلطانُ العثمانيُّ الأخيرُ يتلبَّسُ جسدَ صحافيٍّ ضئيلٍ يمثلُ في عينَي (الشوربجي) الصورةَ الحيةَ لانهيار المجتمع المدني .. السلطان العثمانيُّ الأخيرُ مهديٌّ منتظَرٌ بديل .. السلطانُ العثمانيُّ الأخيرُ مسيحٌ بديلٌ للمسيح المفترضِ عودتُهُ للأرض في الإسلام السلفي (الأرثوذكسي كما يحب الشوربجي أن يسميه) .. والسلطان (محمد وحيد الدين خان بن عبد المجيد) يعيشُ حياةً برزخيةً ذاتَ طابعٍ خاصٍّ كالتصور الإسلامي الشائع عن المسيح، والتصور الاثنَي عشريِّ الشيعي عن المهدي المنتظَر .. يكتب السلطان سورةَ (مريم) في سبعة رقوقٍ تضيعُ منه كلُّها لتتبعثَرَ في أركان الأرض .. أوه! نحن أمامَ (مريم مجدلية) موازية لتلك الموجودة في (شفرة دافنتشي)! والعثورُ على هذه الرقوق السبعةِ مقدمةٌ لابُدَّ منها – بطريقةٍ غامضةٍ تهكميةٍ مقدسةٍ غيبيةٍ في آنٍ – لعودة الخلافة واستئنافِ الهوية الإسلامية .. يرحلُ (الشوربجي المختارُ) في نهاية الرواية إلى بيروت سعيًا وراء (معروف شالجي) الخطّاطِ العراقيِّ صديق والد (كلودين) الذي وجدَ نسخةً بخطه من أحد الرقوق به أولُ سورةِ (مريم) عند (كلودين) .. الخطّاط هو الآخرُ شخصيةٌ حاضرةٌ غائبةٌ في الرواية .. شخصيةٌ عبقريةٌ مرسومةٌ بأستاذية .. ذلك البدين الذي له لهجةُ المواصِلَةِ الخَشِنَةُ المتقاطعةُ مع لهجة الحلبيين بالشام، والذي يُفَضِّلُ أن يُنادى (معروف أفندي) كالسلطان الذي لا يحكم .. شخصيةٌ جديرةٌ بروايةٍ لها وحدها!! رغم أنَّ القصدَ واضحٌ في النهايةِ المفتوحةِ الحائرةِ، إلا أن جزءًا ثانيًا من الروايةِ ليس احتمالاً مستحيلا .. الله؟! وهل هناكَ احتمالٌ مستحيل؟!
الخلاصةُ أن (يوسف رخا) يطرحُ نظريةَ المؤامرةِ بشكلٍ ما في منتصف الروايةِ ، ثُمَّ يطرحُها من جديدٍ في نهايتها لكنَّهُ يطرحُها (أرضًا) هذه المرةَ ، حين يُعربُ على لسان الراوية غير المعيَّنِ عن تفضيله لأتاتورك على مائة وحيد الدين خان .. رغم أنه ليس موقفًا أيديولوجيًّا واضحًا حتى الآنَ، إلاً أنه كفيلٌ بأن يبصُقَ في وجهِ المتلقّي المسكين ويقول له: "أنت مسؤولٌ وحدكَ عمّا أنت فيه – قشطة عليك" !!
·       سوء التفاهم وإشكاليةُ التأتأة!!: لا يُنسَى الفلاش باك المروِيُّ على لسان (ألدو مزيكا) للفقي (وحيد الدين) وهو يتمتمُ بعباراتٍ ملتبسةٍ لم تفهم منها أمُّ (ألدو) الساحرةُ الأفريقيةُ إلا (سولتان لئيم) لتُصَدِّرَ لابنِها فكرةَ أنَّ اغتصاب (وحيد الدين) نجحَ في إخراج الجنِّ الذي يلبسُهُ .. المؤلِمُ هو وعي (الشوربجي) بأنَّ ما قاله (وحيد الدين) في ذلك الموقف بعد أن أفاقَ من إغماءته هو غالبًا (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وأنَّ الساحرةَ لم تفهم لأنها ببساطةٍ لا تجيدُ العربية !!
  أحالتني هذه الحالةُ الضَّبابيةُ إلى Benjy أو Benjamin الأخِ المتخلفِ عقليًّا في رواية فوكنر The Sound & The Fury ، والذي يروي الفصلَ الأولَ بالكاملِ من الرواية بتأتأتِهِ وجمله المبتورة القصيرة التي لا تفيدُ معنىً متكاملاً ولا تحيلُ إلا إلى ذاتها .. من المؤكَّدِ أنَّها كانت مغامرةً مدهشةً من (فوكنر) .. مغامرةُ (يوسف رخا) أضيقُ من مغامرةٍ (فوكنر) لكنَّ قسوتَهُ في معاملةِ نموذجهِ الانهياريِّ (وحيد الدين) أبشعُ من قسوة فوكنر/الزمن في معاملة Benjamin !! في هذا المشهد، يُفيقُ (وحيدُ الدين) على الدمِ متفجرًا من شرجِهِ بعد أن يغتصبَهُ (ألدو مزيكا) الذي يُباهي دائمًا بحجم قضيبِهِ، امتثالاً لأمرِ أمه الساحرة وخوفًا من غضبِها عليه !! ما أقسى هذا .. في الجنوب الأمريكيِّ تكفلت الخادمةُ الزنجيةُ الطيبةُ برعاية (بنجامين) بشكلٍ ما وسطَ (الصوت والصخب) ، لكنَّ الساحرةَ الزنجيَّةَ وابنها الصحافيَّ اغتصبا (وحيدَ الدين) الصحافيَّ المسكينَ في قلب القاهرة بعد بداية القرن الحادي والعشرين بعدَّة سنوات .. لا مجال للتأتأة .. لا مجالَ لسوءِ التفاهم .. 

·       اختيار قالَبِ الرسالة التراثي: حنينٌ إلى ماضٍ يسكن الأوراقَ الصفراء؟ استغاثةٌ خجلَى بشخصٍ ما غير موجود؟ رُبَّما .. يمتدُّ سؤالُ الهويةِ الممزقةِ إلى مسألة اختيار القالَب هنا فيما أتصوَّر .. ليس ذلك فحَسبُ، وإنما في نحت الاسم الذس يُفترضُ أن توجَّهَ إليه الرسالة .. (راشد جلال السيوطي) .. ما أسهلَ أن يحيلَ الاسمُ إلى (جلال الدين السيوطي) أحد أبرز شخصيات العلوم الإسلامية في تاريخ الإسلام ، بجمعه بين التفسير وعلوم اللغة وكتابة المقامات وكل تلك الخصائص اللصيقة بفن الكتابة العربي التراثي الإسلامي .. ربَّما في هذا بحثٌ كذلك عن هويةٍ ضائعة .. استغاثةٌ مكتومةٌ مفضوحةٌ ضاحكةٌ باكيةٌ بمن كتبَ قديمًا، علَّ من يكتبُ الآنَ يصلُ إلى حلٍّ لمعاناته، ونهايةٍ لوضعية الـ(زومبي)!! 
·       نهايةُ الجغرافيا: أخيرًا، لا يمكنُ أن ننسى انبهارَ (الشوربجي) بالخارطةِ العربيةِ القديمة بألوانها الحنونة وثرائها، في مواجهة الخارطة الأوربية الحديثة المصمتة .. كان مهمًّا أن يختزل (الشوربجي) علاماتِ قاهرتِهِ في طغراءِ آخر السلاطين العثمانيين حتى تعودَ له القاهرة وحتى تكتملَ بين يديه .. المدينةُ التي نُسِبَت إلى المِرِّيخِ وقتَ بنائها بالخطأ كما يروي هو من كتب التراث في بداية الروايةِ لا ذاكرةَ لها كما يُورِدُ في نهاية الرواية .. كان عليه أن يبتكرَ رسمًا يحفظُها له .. حتى لو كان هذا الرسمُ محورَ حياتِهِ هو .. حتى لو تشخصنت القاهرةُ فيه فأصبح الدقي (جسرَ المنامِ) ، والمعادي (درب الكلب) وكوبري الدقي (النيل الناشف) وكارفور (خانَ السِّرّ) ووسط البلد (باب الدنيا) .. عليه أن يهبَها ذاكرةً من نسجه ، ويا حبَّذا لو كان للرَّسم معنىً ما من قبلِهِ لتكونَ له هيبةُ وحصانةُ القديم .. إنه ختمُ الهُوِيَّةِ الضائعة .. ختمُ الهويةِ المُفتقَدَة .. جغرافيا مقياس الرسم والألوان المتدرجة والمرتفعات والطرق وما إلى ذلك ليست كافية .. فلتذهب هذه بحماقتِها وسًخفِها وإحالتِها إلى ذاتِها .. فلتذهب إلى غير رجعة .. ولتكن هناك جغرافيا جديدةٌ خطِّيَّةٌ من طغرَى آخر السلاطين .. طغرى (يوسف رخا). 

زوما Zuma - من تجارب عام 2009


في هذا الإصدار من اللعبة يدور الكائن (زوما) حول محوره ليطارد مجموعات الكرات ذات اللون المتفق وينسفها بأن يقذف إليها كرةً من نفس لونها ، ويدور هذا في إطار جوٍّ من الأساطير الأزتكية المنتمية إلى حضارات المكسيك القديمة


على بابِ معبديَ الأزتِكِيّْ
وقفتُ أحدِّقُ فيما أحاولُ ألاّ أراهْ
تُراوِدُ عينايَ كُلَّ الجواهرِ عن كلِّ أعراضِها ، عَلَّها تَختَفي
فأبقَى وحيدًا
أدلِّكُ ذاتي بذاتي
بلا طائفين ولا قائمينَ ولا راكعين ولا سُجَّدٍ وبُكِيّْ 

تَلُوحُ كُراتٌ من العَدَمِ السَّرمَدِيِّ ، فأسألُها
"
هل ستُبكُونني يا رفاقُ أم انَّكُمُو مُضحِكِيّْ؟

أدُورُ على عَقِبَيْ حَيرَتي ، أقتَفي :
تَلاحُقَ ألوانِها
حيثُ رَتلٌ يُسَلِّمُ رَتلاً
ورَتلٌ يُسَلِّمُهُ للمداراتِ رَتْلْ ..
فما بينَ خَوفِيِّ أصفَرَ ،
والغَضَبِيِّ من الأحمر المًستَطارِ ،
وحُزنِيِّ أزرَقَ ،
والفَرَحِيِّ من الأخضَر ِ المُستَعار ِ ،
وهذا الحيادِ الرَّماديِّ ،
يا وَيلَتي ،
كَثرةٌ مُفتَرَاة ْ ...

وَفِيَّ كُراتٌ كذلكَ ،
لستُ أراها سِوى بَعدَ أن أتقيَّأَها ،
إنني عَدَمٌ سَرمَدِيٌّ ذَكِيّْ ...

كُراتي وألوانُها ،
وكُراتُ الوُجودِ وألوانُها ،
أصطَفي ..،
وأشاهِدُ في جَذَلٍ كيفَ يُفني التصادُمُ هذي وتلكَ ،
وقَتلٌ وقتلٌ وقَتْلْ 
يُطيحُ بما خَلَقَت نَفْثَةُ (الإِهِكَتْلْ) !  [1]

هُوَ السِّرُّ ،
أنَّ الجواهِرَ من بعدِ أعراضِها تَنتَفي ..
فلا يَسكُنُ المَعبدَ الأزتِكِيّْ ..:
سِوى عدمٍ سرمديٍّ غبيٍّ ؛
أنا ؛
عدمٌ في عَدَمْ .




[1]  الإهِكَتل Ehecatl : إله الريح في الأساطير الأزتكية

محاولةٌ أخرى لاستكناه حقائق الأشياءِ تبوءُ بالخَيبة .. ليس وراءَ الأعراضِ جواهر!

Monday 9 January 2012

من تجارب عام 2008 - أُختَطَف (بلسان أنثى)


حُمِلتُ إلى سُلطانِ أحلامِيَ الجائِرْ    على كَتِفَيْ عِربِيدِ لَحظَتِيَ الثَّائِرْ
تَسَلَّلَ في أعصابِ طاعَتِيَ التي    أعدَّت لَهُم أنشودةَ الكائِنِ الخائِرْ
نَظرتُ فلم أدرِكْ سِوى أنني هنا    أدورُ على نَهدَيَّ كالكوكَبِ الحائِرْ
ورِجلايَ في وَجهِ السماءِ ، وحَربَةٌ    تُراوِدُ عني جُرحِيَ الغابِرَ الغائِرْ
سُئِلتُ عن النيرانِ شَبَّت وأحرَقَتْ    غريزةَ مَن مَرُّوا على جسميَ الفائِرْ
وعن سَيرِ أحداثِ الحياةِ على فَمِي    وكيفَ تبقَّى خلفَها المَثَلُ السائرْ
وعن تلكُمُ الصيرورةِ الشُّؤمِ كُنهِها  ،  وحين خَرَستُ اربَدَّ سائليَ الزائرْ
وفَكَّ وَثاقي وهْو يزرعُ داخلي    شريحةَ مَوتٍ مُطلقٍ ليس بالصائرْ
أدور على رِجلَيَّ خارجةً إلى    فَنائي ، ويعلو في السما الطبقُ الطائرْ




كانت محاولةً للتماهي مع تاريخ الأنثى .. مزيدُ وعيٍ بالدور الخضوعيِّ الذي أسندَته الإنسانيةُ إلى الأنثى ، انطلاقًا من الوضع الطبيعيِّ أو بواعزٍ من تغلُّبِ العنصر الأقوى ضدَّ طبيعةٍ ما نجهلًها ، أو هو مزيجٌ من الأمرين ، ليس هذا مقامَ الجدَل !! مزيدُ وعيٍ بجسدِها وخصائصه التي تشكِّلُ وعيَها المُخمَلِيَّ الحائِرَ ولاوعيَها الأوَّلِيَّ الساحر .. مزيدُ وعيٍ بدورِها كنبعٍ للكلامِ لا ينضُب .. الكلامُ بحد ذاته أنثى .. الكلامُ يصدرُ عن الفعل في الحالة الإنسانية .. الفعلُ ذكريٌّ والكلام أنثويّ .. بينما في الحالة الإلهية ، يصدر الفعلُ عن الكلام .. فالكلامُ مبدأٌ في الحالةِ الإلهية ، ومنتهىً في الحالةِ الإنسانية .. وهكذا تقولُ عن نفسِها: "وعن سير أحداثِ الحياةِ على فمي .. وكيف تبقَّى خلفَها المثلُ السائِرْ" فهي تستقبلُ الفعل وتعي ذلك وتردِفُهُ بالمثل السائر ، كما لو انَّ هذا هو الدورُ المَنوطُ بها .. ثُمَّ هي أخيرًا تَعي بشكلٍ پانورامِيٍّ صيرورتَها وصيرورةَ الإنسانيةِ المُكئِبَة ، فتمتنعُ عن الكلام .. 
الذي يستضيفُها لا هو ذكرٌ ولا هو أنثى .. هو كائنٌ محايدٌ أطلعَنا عليه خيالُنا .. إنه ساكن الطبق الطائر .. إنه يرحمُها من صيرورتِها الأبدية ، فيُسلِمُها إلى موتٍ مُطلَقٍ لا حياةَ بعدَه .. وينتهي دورُ الزائر الغريب ..!


Sunday 8 January 2012

أمُوت - من تجارب عام 2007



أنا أُسلِمُ الآنَ الحُضورَ إلى الأبَدْ     
وأنزِلُ في دارِ الغيابِ إذ استَبَدْ

كما جِئتُ مِن ظَهرِ الألُوهةِ ،
أحتذي   
خُطاها ،
فأعلو السَّطرَ كالبَعلِ ،
كالزَّبَدْ ..


وأُولِدُهُ نَصًّا بريئًا ،

تَرُوعُهُ     
أصابِعُ مَن سَوَّى، فيَبكي وقَد عَبَدْ ..


قُشَعْريرَةُ التَّسليمِ تَسري بأحرُفي       

فهل بُحتُ إذ أهلَكتُ أنَّاتِيَ اللُّبَدْ ؟!


ألا لا تَلُمْني أيُّها النَّصُّ ،

إنَّما       
على صُورَتي الأولى خَلَقْتُكَ :
في كَبَدْ .


أرَّقَتني العلاقةُ بين الكاتبِ ونَصِّه .. لكنَّني اخترتُ هنا الغيابَ لحساب النَّصّ .. كان عليَّ أن أتنكَّرَ لأنايَ وأتوارَى خلفَ نصّي ..
فعلتُ .. 
اقتفيتُ أثرَ العلَّةِ الأولى .. قبضتُ قبضةً من أثرِ واجبِ الوجودِ، واحتجبتُ ..
رُبَّما كان هذا بدافعِ اختبارِ النَّصّ - أعني قارئه - هل سيعرفُني أم لا ..
أتصوَّرُ جدليةَ علاقتي بالسَّطر : أنا البعلُ/السيدُ/الزوجُ /النطفةُ ، وهو من يتلقَّى .. لكنَّهُ أيضًا المتنُ/ما ينفعُ الناسَ/النَّصُّ ، وأنا الزَّبَدُ / الخَبَثُ / جُفاءُ التجربة ..
لكنَّ أصابعي خانتني وظهرت من وراء النَّص .. 
عبدَني رغمًا عنه ..
رُبَّما كان ألمًا لا قِبَلَ لي به ، ذلك الذي دفعَني للكتابةِ منذ البداية ، أنَّاتٌ لُبَدٌ لا حصرَ لها .. لا أعرفُ إن كنتُ أكملتُ بَوحي أم لا .. لكنَّ أحرُفَ النَّصِّ سلَّمَت بقدرتي المطلقة .. النَّصُّ ينطقُ بضعفه ..
خلقتُهُ بفَيضي .. هكذا !!
خلقتُهُ كما خُلِقتُ .. 
في كَبَد ..

أرپيج - Arpege - من تجارب 2006 - عامّيّة




مالي طعامٌ فيكِ إلا مِن ضريعْ ...!
لو تطلعي السلم بيتهز التآلف ..
لو تنزليه اشرِد لوحدي ، و برضه يتهز التآلف ...
(دو-مي) دُومي لي ..
يا سِدرة الفتح اللي مستنيها سِدر المُبتدا ...


آهٍٍ عليه !!!
نقشي المُقدس فوق كفوفك ليل نهار : رايح سُدَى..
(مي-دو) : مِدَوب فيكي ألحان التوجس ...
واجهيني .. ما في حيل لألغاز التخالف ..
عبثًا بنيتُ لكِ النُهودَ بكلِ رِيع ْ ...
وعملت واحد ف السريعْ ...!


http://www.goodreads.com/book/show/13272379
.....
أن تسرحَ في امرأةٍ  تحبُّها وأنتَ جالسٌ في نادٍ ليلي .. 
Green Village
شارع النصر بالمعادي !!
أظنُّ أن اصطلاحَ (نادٍ ليليٍّ) هذا قد سقط من الاستخدام
لا بأس .. إذن فقد كنتُ جالسًا في نادٍ ليليٍّ بالفعل !!
 ..ربما هي المرةُ الوحيدةُ التي أدخلُ فيها (ناديًا ليليًّا) في مصر
كانت ليلةً مقدسةً ، وكنتُ محمَّلاً بهموم بضعةِ أشهُر ..
لم يكن هناك بُدٌّ من بناء النهودِ بكلِّ ريع ..
كانت هذه استراتيجيةَ المرحلة !


أذكرُ 
جيِّدًا للأسف
أنه في وقت امتثالِ ديوان (هنجراني) للطبع ، كانت هناك اعتراضاتٌ جِذريةٌ على السَّطر الأخير ..
ولا أعرفُ لماذا رضختُ بهذه السهولةِ وغيَّرتُهُ إلى:
"ونتشت بوسة على السريع"
رغم أنَّ هذه لم تكن الحقيقة ..
أنا مؤمنٌ بأنه علينا أن نكتب الحقيقة ..
لالالالا
َ لا أعني أنَّ الحقيقةَ هي ما حدث
الحقيقةُ هي الحقيقةُ دون تعريف ..
هه!
ربَّما لم تكن (تابوهاتُ) النَّشر قد ماتت بشكلٍ كاملٍ وقتئذٍ
لكن ، على كلِّ حالٍ، فقد داخلَني بعضُ الإيمان
- والإيمانُ دائمًا يقبلُ التَّبعيضَ - 
بأنني يجب أن أقدِّمَ مجموعةً من الأضاحي لكي يحدُثَ (نشرٌ) ما ..
فحذفتُ (تراويح) من (هنجراني) ، وهي التجربةُ التي أعشقُها ومازلت ..
كما حذفتُ (حديث قصير للنفس المسافرة)
كنتُ توراتيًّا أكثرَ من التَّوراتيِّين !!
.....
عبثًا بنيتُ لكِ النُّهودَ بكلِّ رِيع
!

Saturday 7 January 2012

من تجارب 2005: الشَّنيشة

بشاكوشِ فقري ،
ورأسِ المِفَكّْ ..
أ ُفَتِّشُ عن كلِّ حُلم ٍ هزيلْ ..
لأرفعَ ذِكرَ أيادي الصِّغارِ، ويُرفَعَ ذِكْري ..
أبي .. يامليكَ الحزانى ..
تناولتُ شاكوشَ فقريَ منكْ ..
أتذكرُ ؟ إذ قُلتَ : "خُذْهُ ، سَيَرفعُ ذِكرَكَ ، دُقّْ" ..
أبي .. مالكٌ ياحزينُ ، ابنُكَ المُبتلى قَصَّ رِيشَهْ ..
وما عادَ يقوى على الطَّيَرانِ ، وأُنْسِيَ فنَّ الهديلْ ..
أبي ..لا تَلُمْني إذا ما عَقَقْتُكَ ، فالكلُّ صاحَ بأذنيَ : "عُقّْ" !!
ومازالَ صوتُكَ ينسابُ: "دُقّ ْ" !!!

أدُقُّ، اطمَئنَّ، أدقُّ الشَّنيشَةْ!!
بهذا الجِدارِ القديمِ العليلْ ..
وصاحبةُ البيتِ تغلي بقُربي دماءَ السُّجُقّْ ..
أنا لا أحِنُّ لهُ .. مِلءُ أنفي تباريحُ شيشةْ ..
متى يجمعُ الدَّهرُ شَملي بشملِ الحشيشة ؟!
لتشهدَ عينايَ فيها عُروشًا تُدَكّْ ..
بشاكوشِ فقري ، ورأسِ المِفَكّْ ..!

لصاحبةِ البيتِ ساقٌ تُغنِّي ، بلحمٍ قليلْ ..
وخائنة ُ الأعيُنِ المُجهَداتِ تشقُّ الدُّخانَ إليها ..
تشُقّْ ..!
- "(عِناياتُ) .. ساقُكِ مثلُ الرَّبابةْ" ...!
لماذا يُصِرُّ السُّجُقُّ اللَّعينُ على أن تُعانِقَ عَينِي ضَبابَهْ ؟!
أنا الآنَ لستُ أرى السَّاقَ .. لكنْ ، أفي السَّاقِ شَكّْ ؟!!
أيا عَبَقَ البَولِ حَولي ،
مِفَكِّي سعيدٌ، يَدُكُّ عُرُوشَهْ!
(عناياتُ) تدنو، وتضربُ وجهي من الشَّعرِ شُوشَةْ ..
أعدَّت شَطيرةَ صُنعِ يَدَيها، وقالت: "تَكَرَّمْ عليَّ، وَذُقْ" ..
نَظَرْتُ، فذَكَّرَنيهِ السُّجُقّْ!!
ونَدَّتْ على الرَّغمِ مِنِّيَ ضِحْكَةْ ..
دِراما من البُؤسِ حِيكَت عن الخُبزِ، مِن دونِ حَبكَةْ ..!

- "(عناياتُ)" ..
- "ماذا ؟" ..
- "(أمَيمَةُ)" ..
- "ماذا ؟!!" ..
- "كِليني لِهَمِّي!! ...
فرائحةُ البَولِ تجتاحُ شَمِّي" ..

وبينا أدُقّْ ..
تَجَسَّدَ فوق البلاطِ المُعَطَّنِ (جادو) ..!!
وقال برفقٍ: "تجسَّدتُ فوق البلاطِ المُعَطَّنْ ..
ولَفَّفْتُ جِسْمي - لكي لا تراني- بِخَيشٍ مُقَطْرَنْ ..
فَقُل لي بربِّكَ يا مَن تدُقّْ ..
هل القومُ عادُوا؟!! " ...
وعاد إلى الصَّمتِ (جادو) ..
أُراهِنُ .. : هذا الجِدارُ القَديمُ لو ارتدَّ شَخصَا...:
لأنفقَ من أجل رأسي قُرُوشَهْ ..
ولو نالَ رأسي، أنا لن أحُوشَهْ !!

تهاوَى الجِدارُ، فقد كان مثلَ (أ ُمَيْمَةَ) رَخْصَا ..
(عناياتُ) تدنو، وتغمرُ حِسِّي بلَعقٍ وحَكّْ ..
تهاوى الجِدارُ، بشاكوشِ فقري ، ورأسِ المِفَكّْ ..
- "أصاحبة َ البيتِ إنِّي انتهَيْتْ ..
وفوقَ جدارِ المساكينِ – حُلمِ الليالي البَشوشَةْ - ..:
دقَقْتُ الشنيشَةْ ..
وَدُقَّتْ على أمِّ رأسي شنيشةْ ..!"
تعاطٍ


محاولةٌ لاستكناهِ الأساطيرِ المؤسسةِ للصَّنائعِي!! بقصديَّةٍ تتأرجَحُ بين التحليقِ والفجاجةِ (كما أراها الآنَ) قدَّمتُ عناصِرَ وعيِ البطل (السّبَاك/ الكهربائي) كما أدركتُها آنئذٍ ، وعناصر لاوعيِهِ الجَمعِيّ (كما في قولِهِ : "كِليني لِهَمّي" الذي يتقاطَعُ مع مفتتحِ قصيدة النابغةِ الذبيانيِّ الاعتذاريةِ المشهورة، والتي لم يسمع بها البطل في حياتِهِ على الأرجح ، لكنَّها جزءٌ من هُوِيَّتِهِ رغم ذلك) ، وحاولتُ أن أضفِّرَ هذه العناصِرَ في ظهور الجِنِّيِّ الذي يسكنُ الحمّامَ الذي يدقُّ في أحد حوائطهِ الشَّنيشةَ (جادو - في الموروث الشعبي المصري) .. هذا الجِنِّيُّ الذي ما إن يَظهَر حتّى يسألَ البطلَ سؤالاً مُبهَمًا: "هل القومُ عادُوا؟" .. هذا الإبهامُ يُفترَضُ أن يحمِلَ باقةً صاخبةً من الأفاعي الدّلاليةِ والإيحائيّة، بينَها حَنينٌ غريبٌ إلى مَن رحلوا ، وخوفٌ أصيلٌ من صُحبةِ الناسِ ، وغيرُ ذلك ..
الخلاصةُ أنَّ الشَّنيشةَ كانت تنغرِسُ في رُوحِ البطلِ كما تنغرِسُ في الحائطِ الذي يعملُ عليه .. كانت تُظهِرُ صراعاتِهِ النفسيةَ وآلامَهُ وانتصاراتِهِ وطموحاتِهِ شيئًا فشَيئا .. رُبَّما ينفذُ نُورٌ إلى من يتلقّى هذه التجربة .. والنورُ معرفةٌ، وسماحة.

أذكرُ جيّدًا أنَّ هذه التجربةَ كانت أولَ تجربةٍ أُلقيها في (لقاء الأدباء) بساقية الصّاوي في منتصف عام 2005 ..
أثارَت مزيجًا من الجدَلِ بشأن صحة الاشتقاق اللُّغَوِيّ (الشَّنيشة) ، وإعجابِ البعضِ بمحاولةِ تفصيحِ حوارٍ داخليٍّ يدور في نفس مصريٍّ بسيطٍ لا يعرفُ الفصحى ، واستهجانِ البعضِ لذاتِ المحاولة ..
هيييييه .. دنيا!

Friday 6 January 2012

من العام الأول للكتابة 2004

أنشودة آكِل البشر
........................
ادنُ مِني إن رأيتَ القُربَ مني
شافِيًا نفسَكَ من سُمِّ الفِراقْ


وابتعِدْ عني إذا كان تَبَنِّي
مَنطِق ِ البُعدِ مُثيرًا للعِناقْ


وارتَعدْ من خوفِ بطشي حيثُ إني
يَزدَهيني خوفُكَ الحُلوُ المَذاقْ


التَّجَنِّي ليس فيما قيلَ عني
التجني خطفُ لفظٍ مِن سِياقْ




اعتباطًا باعدَتْ بيني و بينَكْ
لُعبةُ الأجسادِ والأرواح ِ دَهْرَا


أنتَ مِنِّي وأنا مِنكَ ، وحَولَكْ
طَيفِيَ المحجوبُ عن عينيكَ قهرا


أنت سِجني فاتخذ ذاتيَ سجنَكْ
وشراييني لأحشائِكَ صِهْرا


أنت أرضي فاعتبِر جسميَ وَحلَكْ
واتَّخِذْ مِن دمعِ عيني لكَ نَهْرا




جُنَّتِ الحِكمةُ مِن فرطِ جنوني
وجنوني بذراعيكَ قديمْ


فذراعاكَ تموتانِ بِدُوني
وهما لي كحياةٍ لسقيمْ




بتقاسيم ِ ذراعيكَ شُئُوني
وشجوني وشرابي والنديمْ


ومُجوني ، لم يَعُدْ لي مِن مُجُوني
غيرُ ذِكرَى في ذراعَيكَ تَهيمْ




في سُكوتي هاجَ شَوقي للتَّوَحُّدْ
معَ مَن ذاقوا كما ذقتُ العذابْ


قُتِلَ الدفءُ بكأس ٍ مِن تَعَبُّدْ
وتفرَّقْنا سُكارَى كالذبابْ


ليس لي ذنبٌ إذا خُنتُ التَّفَرُّدْ
أو كِياني في كِيان ِ الكون ِ ذابْ




جُبِلَتْ نَفسي على هذا التمرُّدْ
فإذا لاقيتُهمْ سالَ اللُّعابْ !




اقترِبْ ، أصغ ِ لتسبيح ِ الدماءْ
في عُروقي دَمِيَ المُنسابُ حُرمَةْ


قدسُ أقداس ِ التَّجَلِّي والخفاءْ
وجِنانٌ ؛ فاسترِح ْ في ظِلِّ كَرمَةْ


وتأوَّهْ كيفَما التسبيحُ شاءْ
ظلمة ُ الآهاتِ فاقتْ كلَّ ظلمَةْ


الحضاراتُ ؛ و مجدُ الأغبياءْ
انتَهَتْ إذ ذُقتُ من كَفِّكَ قَضمَةْ






هلوسات صحو


في تلك الأيام، كنتُ أحملُ في رأسي مُخًّا ، وكان (هانيبال لكتر) يأكل منه ملءَ شهيَّتِه .. لم تكن هذه أولى تجاربي في الكتابة بالطبع ، لكنَّها على كل حالٍ كانت تمتلكُني إلى درجة أن أنشُرَها في أول ديوانٍ يصدرُ لي بالفصحى .. (صمتُ الحِملان) أولُ فيلمٍ يدعوني إلى التقاطُعِ معه شعريّا .. رُبَّما زاويةُ الرؤيةِ في هذه التجربة تختلفُ عن زاوية (هانيبال) ، فآكِلُ البشر هنا يحاولُ أن يتماهَى مع الآخرين بشكلٍ واعٍ من منطلَقِ إدراكِهِ لانتسابهم معهُ إلى معينٍ واحد .. فالقضمةُ التي يتناولُها من كف ضحيتِهِ هي الخطوةُ الأولى في مرحلةٍ من مراحل سفره الرُّوحي .. الرُّوحُ هنا جسدٌ سائلٌ والجسدُ روحٌ جامد (كعلاقة الزمان بالمكان في مقولة ابن عربي) .. أزمةُ آكلِ البشر تتمثَّلُ في تجاوزِهِ للثنائيات .. أو رُبَّما في طموحه إلى تجاوزٍ كهذا وسعيِهِ الدءوبِ إليه .. لا يوجد (أنا / الآخر) ولا يوجد (الروح / الجسد) ..
أذكرُ أنّي تماهيتُ مع آكلِ البشر وقتئذٍ ومع أزمتِهِ تلك قبل أن أقرأ عن (هيغل) في 2006 بشكلٍ يقتربُ من المنهجية .. كانت مسألة التجاوز تؤرِّقُ (هيغل) - آكِلَ الفلسفة - ولا نبالِغُ إذا قُلنا أنها باعِثُهُ الأولُ على إبداعِ مثاليتِهِ المُطلقَة .. انطلقَ من الثنائيات الكانتِيَّة التي شبَّهَها بالرُّوحِ اليهودية (وكان يقصد تبايُنَ الإلهي والبشري في العقيدة اليهودية) إلى مثاليته المطلقة التي شبهها بالرُّوح المسيحي (حلول المطلق في المحدود) ..
أذكرُ كذلك أنه في تلك الأثناء قرأتُ ورقةً نقديةً لا أذكرُ مؤلِّفَها عن علاقة المثلية الجنسية بالكانيبالزم (أكل لحوم البشر) في أدب (هرمان ملفيل) ، وكانت شديدةَ التأثير عليَّ وقتئذٍ ، وأكادُ أضعُ يدي على لحظاتٍ بعينِها أثناءَ كتابةِ هذه التجربة ، كان وعيي بفحوى تلك الورقة حاضرًا جدًّا .. لا أعرفُ إن كان هذا التأثُّرُ باديًا في الأبياتِ أم لا .. لكنني أظنُّهُ باديا!!


على صعيدِ شخصيّ، كانت هذه التجربة آخرَ ما كتبتُ قبل أن أنضمَّ إلى المنتدى الأدبي لقصر العيني في نهايات عام 2004 .. آه .. تلك الأيام