Saturday 22 October 2016

كل القوارير .. قراءة في كتاب (كل البنات حلوين) لكاتبات موقع (نون)


من مزايا كتُب المقالات المُجمَّعة لكُتّابٍ متعدّدين (الأنثولوجِيّات) أنّها تقدّمُ وجبةً دسِمةً لِهُواةِ الإحصاء! أعني مَن تسلَّطَت عليهِم – مِثلي – جِنّيّةُ الإحصاء يومًا ما فظَنُّوا أنّهم سيُفنُون أعمارَهم في تقديمِ القرابينِ لها من بُطونِ الكتُب ومِن بينِ سُطورِ صفحةِ العالَم، ثُمّ شُغِلُوا عنها فظلّتْ قابعةً في زاويةٍ مظلِمةٍ من وعيِهم، تنتظرُ قُربانًا مناسبًا لتَظهَرَ إلى النُّور كُلَّ عِدّةِ أعوام!
     لا أمهّدُ بالأرقامِ لدراسةٍ أسلوبيّةٍ مقارِنةٍ كعادةِ الأسلوبيّين، لأني لستُ منهم بحُكم التخصُّص. وإنما أمارِسُ لَعِبًا حبيبًا إلى نفسي مع نُصُوصِ هذا الكتاب ..
     أولُ ما يبدَهُنا الغِلافُ من تصميم (هاني صالح) حيثُ يقدّم صورةً فوتوغرافيّةً لأثوابٍ من القماش المنقوش بألوانٍ نسائيّةٍ مبهِجةٍ متراصّةٍ فوقَ بعضِها، فيما يُعَدُّ في رأيي معادلاً بصريًّا مبتَكَرًا لموضوع الكتابِ وعنوانِه ..
     يضُمُّ الكتابُ الصادرُ حديثًا عن دار (الشروق) اثنين وستّين مقالاً لسِتٍّ وعشرين كاتبةً، وكاتبٍ واحدٍ هو (لاري نبيل).. (آية خالِد) المحرِّرَة في موقع (نُون) الذي استضاف كُلَّ هذه المقالات قالت في المقدّمةِ إنّ عنوانَ الكتابِ وُلِدَ في جَلسةٍ استضافها الموقِعُ وتحوَّلَ من مجرّد (إفّيه) مأخوذٍ مِن أغنيةٍ شهيرةٍ (كل البنات بتحبّك) لـ(حسام حسني) إلى شِعارٍ لحَملةٍ قامَت بها كاتباتُ الموقِع للثورةِ على القوالبِ النمطيّةِ المُعَدَّةِ سلَفًا للجَمالِ في المرأة/ البنت .. كُتِبَت المقدّمةُ بالعامّيّة، كما كُتِبَ ثلاثةٌ وثلاثون مقالاً بالعامّيّة، وخمسةٌ وعشرون بالفُصحى، وأربعةٌ بمَزجٍ منهما .. (ريهام سعيد) أغزرُ الكاتباتِ إسهامًا بسبعةِ مقالاتٍ منها سِتّةٌ بالعامّيّة وواحدٌ بالمَزج .. بعدَها كُلٌّ من (حنان الجوهري) و(ياسمين عادل) بخمسةٍ لكلٍّ منهما .. بين مَن جمَعن مقالات الفصحى إلى العامية (غادة خليفة) و(رانيا منصور) وكِلتاهُما شاعرة .. لـ(غادة) مقالٌ بالفصحى من أصل ثلاثة مقالات، ولـ(رانيا) واحدٌ من أصل اثنين .. مقالُ (غادة) الفصيح (في ممرّاتِ الجَمال) يُشبهُ شِعرَها جِدًّا: فِقراتٌ مُرقَّمَةٌ قافِزَةٌ بين أحداثٍ تقعُ في أماكنَ مختلِفةٍ يربِطُ بينَها هاجِسُ اكتشافِ الذّاتِ، وهُنا تحديدًا من زاويةِ الأنوثةِ وعلاقتِها بالجَمال .. كذلك جاءَ مقالُ (رانيا) الفصيح (أربعةُ أشياءَ تتنفّسُ بها المرأةُ وتَذبُلُ دُونَها) فِقراتٍ مُرَقَّمَةً تتناولُ كلٌّ منها (شيئًا) من المُشارِ إليها في العنوان، والقصيدة/ المقال يُخاطِبُ الرَّجُل/ الحَبيبَ بشكلٍ لا لَبسَ فيه، وهو ما يُحيلُ قارئَ المَقالِ فورًا إلى شِعر (رانيا) المنشورِ في غير هذا الكتاب ..
     كما استُقِيَ عنوانُ الكتابِ من أغنيةٍ، جاءت المُدخَلاتُ الثقافيّةُ للكاتباتِ – مِن أفلامٍ وأغانٍ وأعمالٍ أدبيّةٍ - واضحةً تمامًا في كثيرٍ من المقالاتِ بِتَرَدُّدِ إشارتِهِنّ إليها .. مثلاً (رنا حسين) أشارت إلى فيلم (المرايا) و(غادة خليفة) إلى (أنا حُرَّة) و(ساندرا سليمان) إلى (فتاة المصنع) و(حنان الجوهري) إلى (صايع بحر) لفظًا و(هستيريا) بشكلٍ ضمنيٍّ حين تماهَت مع (عبلة كامل) في دور (وِداد) في ذلك الفيلم حيثُ قالَت: "أنا ممكن ولا آكُل ولا أشرب ولا أنام بس الراجل اللي أحبه يطبطب عليّ وكِدَهُوَّنْ، ويقول لي سلامة رِجلِك من الوقفة يا وداد"، وقارنَت (ياسمين عادل) بين فيلمَي (تيمور وشفيقة) و(الباب المفتوح) من حيثُ موقفُ الرَّجُلِ من المرأةِ في كِلَيهِما.
     أمّا على صعيد الأغاني، فقد أشارَت (سمر طاهر) إلى (قوم اقف) لـ(بهاء سلطان)، وضمنيًّا إلى (عينك) لـ(شيرين عبد الوهاب) حين تماهَت مع السَّطر (عينك على اللي رايحة واللي جاية)، وأشارَت (إسراء مقيدم) إلى (الزهور زي الستات) لـ(محمد فوزي)، و(دينا فرَج) إلى Shower لـBecky G، و(ساندرا سليمان) إلى فرقة (محيي الدين بن عربي) وغنائها أبياتَ (رابعة العدوية) الشهيرة في الحُبّ الإلهي، و(ريهام سعيد) إلى فريق Spice Girls، و(ياسمين يوسف) إلى (بلد البنات) لمحمد منير ..
     على صعيد الإشاراتِ الأدبيةِ، أشارت (ساندرا) كذلك إلى قصيدةٍ لـ(إبراهيم البجلاتي)، و(مي فتحي) إلى (تنسى كأنكَ لم تَكُنْ) لـ(محمود درويش)، و(حنان الجوهري) إلى رواية (شنغهاي بيبي) لـ(ويهوي چو) والمجموعة القصصية (وارقص) لـ(سهير صبري)، و(رزان محمود) إلى رواية (الباب المفتوح) لـ(لطيفة الزيات)..
      وأخيرًا، امتازت (حنان الجوهري) بالإشارة إلى أحد إعلانات اللبن البودرة في مقالها (مش عايزة هدية عيد أُم يا فريدة)!
     وفي الحقيقة لم يأتِ تفاعلُ الكاتباتِ مع هذه المُدخَلاتِ دائمًا متعلّقًا بمسألة جَمال المرأةِ إيجابًا وسَلبا .. وهذا ببساطةٍ لأنّ هُمومَ هذه المقالاتِ تراوحَت بين الالتزام بهذا المِحوَر إلى أقصى حَدٍّ كما في مقالاتِ (رزان محمود) الثلاثةِ التي صُدِّرَ بها الكتابُ، والابتعادِ عنه إلى آفاقٍ مختلفةٍ قد تتعلّقُ بمسألة الرّضا عن العالَم والتصالُح مع القدَر كما في (سونار وسخّان 40 لتر) لـ(ريهام)، أو العلاقة بالله كما في (وشكوتُ للهِ أنَّ التُّرابَ يُحزِنُني) لـ(دينا فرَج) ..
     وإجمالاً فقد تراوحَت المقالاتُ بين الهَمّ النِّسويِّ الصِّرف (وهو ما يستحوذُ على مُعظَم المقالات) والخروجِ منه إلى الإنسانيِّ العامّ .. في (إنّهنّ حتمًا لا يتنفّسنَ هُناكَ) تتأمّل (دينا فرَج) ما تسمّيه (ميكانو الطوب الأحمر) في إشارةٍ إلى العماراتِ المتراصّةِ على جانبَي الطريق الدائريّ غيرَ حافِلَةٍ بحقوقِ قاطنيها في أقلّ القليلِ من مساحةِ الخصوصيّة أو أقلّ القليل من الجَمال .. تُصَدّرُ لنا همًّا إنسانيًّا حين تتأمّلُ معاناةَ هؤلاء القاطنين مع محيطِهم الأسمنتيّ، لكنّ التفاصيلَ دائمًا تتعلّقُ بامرأةٍ ما، ولا تَخرُجُ إلى حيّز الرِّجال إلاّ في سياقِ طفولةٍ تلعبُ الكُرَةَ أو زوجَين يقلقان من تنصُّتِ الجيرانِ إلى علاقتِهما الحميمة، فيَظهَرُ أنَّ هَمَّ المَقالِ نِسوِيٌّ بالأساسِ وإن اختبأَ خلفَ رحابةِ الإنسانيّ ..
     على عكسِ هذا النموذجِ جاءَ مقالُ (رضوى أسامة) الموسومُ (لماذا لا يُشبِهُ العالَمُ أصدقاءَ أبي؟)، حيثُ تَخرُجُ من خبرةِ طفولتِها الخاصّةِ إلى تأمُّلٍ يتعلّقُ بمعاملَة الأطفالِ إجمالاً- ذكورًا وإناثًا دون تفرقةٍ- وإسهامِ البالغين في تكوين صورتِهم الذِّهنيّةِ عن أنفسِهم ..
     نعودُ إلى المحورِ الأساسيِّ للكِتابِ، فنكتشفُ أنّ للمراحلِ العُمريّةِ المختلِفةِ في حياةِ المرأةِ أنصِبَةً محدّدةً من دفاعِ هذه المقالاتِ عنِ عالَمِيّةِ جَمالِ المرأة .. فَـ(انتبهوا، إنهم يسرقون طفولةَ أبنائنا) لـ(هدى الرافعي) و(أنا جميلة يا تيتة) لـ(رَزان) مثلاً يتعلّقانِ بأنَّ (كُلّ الطِّفلات حلوين)، و(سيبيها تشيل شنبها) لـ(سارة عابدين) يتعلّقُ بأنّ (كل المراهقات حلوين) مع تركيزِه على مسألةِ الاتّساقِ في تربيةِ الأبناء، بينما (مناخيرِك المنفوشة تدُلّ على أنوثة طاغية) لـ(ياسمين عادل) – والذي تتناصّ في عنوانِه مع جُملة (فؤاد المهندس) الشهيرة في (مطاردة غرامية) – يتعلّقُ بأنّ (كُلّ الحوامل حِلوين) .. وأخيرًا نجدُ (موت فاتن وحياة صباح) لـ(سمَر طاهِر) يؤكّدُ ضمنيًّا على أنَّ (كُلّ المُسِنّات جميلات) ومِن حقِّهِنّ أن يمارِسن الحياةَ كما يحلو لهُنّ ..
     التيّارُ العامّ للمقالاتِ هو ضربُ عرضِ الحائطِ بمقاييس الجَمال المُرَوَّجِ لها إعلاميًّا لصالِحِ أنماطٍ جسديّةٍ أُخرَى، ويبلغُ هذا ذِروتَه في مقالاتٍ مثل (فتيات إفريقيا الجميلات الممتلئات) لِـ(رَزان) و(أصل أنا مش عاملة ريچيم) لـ(إنچي إبراهيم) حيثُ يزدري المقالان النمطَ الجسديّ الشائعَ وصفُهُ بـ(الصحّيّ) أو (اللائق طبّيًّا) بكلّ تفاصيلِه، فيما يمكن وصفُهُ بالإرشاد الصّحّيّ المقلوب! هي موعظةٌ طبيّةٌ خاطئةٌ (سياسيًّا) كما يقولُ الأمريكيّون politically incorrect!
     أخيرًا يمكنُ بَسطُ المقالاتِ على مُنحنىً بيانيٍّ مِحورَاهُ هما (نقدُ الجَسَد) و(نَقدُ الرُّوح) .. بالطبعِ لا تخلو مقالاتُ نقدِ الجسَد من إشاراتٍ إلى الرّوح، والعكسُ صحيحٌ، ولا يمكن ألاّ يكونَ الأمرُ كذلك في الحقيقة .. ما أسلفناهُ من أمثِلةٍ يُرَكِّزُ معظمُه على (نقد الجسَد) بالفِعل، وإن كنتُ أرى واجبًا أن أُنَوِّهَ ببعض المقالاتِ التي عبَّرَت في جَمالٍ استثنائيٍّ عن صداقةِ الكاتبةِ وجَسَدِها .. ربّما أهمُّها المقالُ الافتتاحيُّ لـ(رَزان) (أنا جميلة يا تيتة) في فقرةٍ تبدأُ "جسَدي .. هنا قلبٌ تحمَّلَني حتى في أيامٍ صعبة" وتنتهي "هنا شَعرٌ يَحتاجُ القليلَ من الرِّعاية"، ومعَه (رسالة إلى جسمي) لـ(مَيّ فتحي) باكتنازِهِ بتفاصيلَ دقيقةٍ في تطوُّرِ وعي الكاتبةِ بجسدِها وصولاً إلى مرحلة عمليّة (تدبيس المَعِدَة) وما بعدَها .. وثالثُهُما (سِرُّ العلاقة الحميمة) لـ(ياسمين عادل) حيثُ اقتحَمَت مُحَرَّمَ الجِنسِ محاولةً تقديمَ فهمٍ مُغايرٍ لطبيعةِ العلاقة، يُعبّرُ عن جزءٍ منهُ قولُها (يا بَختُه اللي فيوزاتُه تبقى راكبة على فيوزات جوزُه)! وهو قولٌ -على خِفّةِ دمِهِ- يذكِّرُني شخصيًّا بشَرح أستاذِنا أستاذِ أمراضِ الذُّكورةِ بقصرِ العيني الدكتور (أشرف فايز) للحديث النبويّ "خيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالِحة" حيثُ يرى أنّ المقصودَ "صالحةٌ لهذا الزوجِ تحديدًا، كالقُفلِ والمفتاح، وليس صلاحَ الصلاةِ والصومِ والعبادات رغمَ أهميتِها".
     أمّا (نقدُ الرُّوح) فرُبّما أبرزُ أمثِلَتِه مقالُ (كاميليا حسين) (أخطر ستّ قابلتها) الذي تعكفُ فيه على تأمُّلِ الشعور بالذَّنب و(عُقدةِ النقصِ، كما كان يَحلو لألفريد آدلر أن يُسَمِّيَها). تقول في نهايته: "باصطاد كل الكلام السلبي اللي باسمعه من الناس وأغزِل منّه لعنة أعلّقها في رقبتي عشان ما اخطّيش خطوة" معبِّرَةً عن أزمةٍ وجوديّةٍ حادّةٍ تسكنُ وَعيَها، ولا نُعَقِّدُ الأمورَ إذا قُلنا إنّ موضوعَ هذا المقال/ التّدوينة هو (نَقدُ نقدِ الذّات)!
     كذلك مقال (امتى بقى هاحِسّ بالرّاحة) لـ(مَيّ فتحي) يعبّرُ عن قلقٍ وجوديٍّ أصيلٍ إزاءَ كُلِّ مظاهرِ الحياةِ، ولا يبدو منه مَخرَجٌ لدى الكاتبةِ إلاّ النسيانُ .. أن تَنسَى وتُنسَى، متماهيةً مع العذراءِ (مَريَم) في أزمتِها الوجوديّة كما عبَّرَت عنها الآيةُ القرآنيّة "يا لَيتَني مِتُّ قبلَ هذا وكنتُ نَسيًا مَنسِيّا" ..
     انتهاءً، هذا الكتابُ فرصةٌ للإطلالِ على فكرِ وإبداعِ مجموعةٍ من الكاتباتِ المصريات الشابّات، والوقوفِ على طبيعةِ موقفهنّ من أبرزِ القضايا النسويّةِ قاطبةً، وهي بالتأكيدِ قضيّةُ ماهِيّة الأنوثةِ بحدّ ذاتِها، وكيفَ صاغتها الممارسةُ البشريّةُ المجتمعيّة، وكيفَ يطمَحنَ إلى تغييرِها .. لا نجدُ ثورةً جِذريّةً في الحقيقةِ في ثنايا الكتابِ على الوجودِ أو على التصوُّر الدينيّ عن دور المرأة، رغم الإشاراتِ المتناثِرةِ عن الضيقِ بقولبةِ الأنثى بواعزٍ من نُصوصِ الدِّين .. بل نجدُ (نهلة النمر) في (بنت مسترجلة في مجتمع محتاج يسترجل) تقولُ: "المرأة زي القارورة اللي هي الزجاجة في رقّتها، لكن كمان من خصائص الزجاج إذا انكسر إنه يكون حادًّا وجارحًا"، وهو ما يَشِي برِضًا تامٍّ عن الوصفِ النبويّ الشهير للمرأة، وإن كان يقدّمُ تفصيلةً جديدةً فإنّها لا تَخرُجُ عن أن تكون اجتهادًا جديدًا في فهم النّصّ، بعد التسليمِ بصحّتِه ..
........................... 
محمد سالم عبادة
27 سبتمبر 2016
نُشِر في (أخبار الأدب) بعنوان (كتاب ضد مقاييس الجَمال المُرَوَّج لها إعلاميًّا) بتاريخ 16 أكتوبر 2016

Monday 15 August 2016

لغز الاستثنا .. من ديواني (دروس في العربي)


عَلَيّا انّي اصيد كل طير كل طير
سِوا بْشَرّ طالع غُناه أو بخير
ما يِنفَدش من بُندقِيتي سِوى
أبابيل تعشش ف جامع ودِير!

بسِقط اللِّوَى، أو فِ أرض اللوا
بيطلَع غُنايا ف بياتي النَّوَا
ما تسمعش منّي نشاز ما عدا
صدى للنشاز القوي، جاك أوَا!

أنا برُبع تون اشتريت زئرِدة
وكبَّرتها ف صابحة وف مسعِدَة
ما كَشِّتش من نصبِة التخت إلاّ
امّا راح زمن الباشا والكَتخُدا!

مافيش عِلّة زي الطرَش، أغبى عِلّة
تغور سفسطات السكون المملَّة
وإن كنت بالصمت مُغرَم، فحاشا
وكلاّ، اتِهام زُور ومن غير أدِلَّة!

أنا كنت يوم كتخُدا وصِرت باشا
وأصبحتُ مِن بعدُ بُؤرِة عفاشة
ما يجليش حياتي مقام ما خلا
صَبا زمزمة ف جُبّ مربوط بِشاشة!


ما ترقيني يا بنت بالصهللة
بـ(إيه العبارة)، بْجُفون مُسبَلَة
قالت لي: رقيتك بـ(لا شيءَ) غير
حَدَرجا بَدَرجا ف زمان البَلَه!    
محمد سالم عبادة
الجمعة 8/6/2012
من ديواني (دروس في العربي) الفائز بثانية مسابقة (أخبار الأدب) لشِعر العامّيّة في 2015

............. نُشِرَت في عدد يوليو 2016 من مجلة (المجلّة) الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب                    

Monday 27 June 2016

سارتر


إجَّاصَتانْ ..
تتدلَّيانِ مِن السماءِ كما هُما إجَّاصَتَينِ ، فلا هما في صَدرِ مُلهِمَةٍ ،
ولا تتدليانِ مِن الكِتابَةْ ..
كَرَبَ المُمَزَّقُ يَعتَلِي مِزَقَهْ !

وأنا : حِمارٌ ليس يَحمِلُ هذه الأسفارَ ، مُبتَهِجٌ ، ولاتُغريهِ مَسكَنَةُ الأتَانْ ..
وحَوَافِرِي تَسفِي التُّرابَ بِرَقصَتي ، إيقاعُها بينَ انكِساراتِ الرَّتابَةِ والرتابَةْ ..
نَغَمُ الوُجودِ مُبارِزٌ نَزَقَهْ ...!

فإذا التقى بِفَمِ الخِتانِ فَمُ الخِتانْ .. :
فلَسوفَ يبرَأُ كلُّ إثمٍ مِن مَتابِ أبيهِ آثِمِهِ ، فَوَا أَبتَاهُ ما أرجَى مَتَابَهْ !
واللهُ لَم يَسلُبْهُ ما رَزَقَهْ !!

وأكادُ أذكُرُ حِينَ قَطَّبَتا لَنا في السُّحْبِ ، واسمُ إشارةٍ يَلهُو ، كأنَّهُما اللَّتَانْ ...
شَتَّانَ بَينَ الحالِ يومَئِذٍ وتلكَ الحالِ يومَ تدلَّتا إجَّاصَتَينِ كما هُما ،
هذا ، فَمَن مِنكُمْ سَيَبسُطُ لي عِتَابَهْ ؟؟

رَسَخَ البَيانُ وسهمُكُمْ خَزَقَهْ ؟!
كَرَبَ المُمَزَّقُ يَعتَلِي مِزَقَهْ ...
إجَّاصَتَانْ ...!
...............
محمد سالم عبادة
2008
نُشِرَت بمجلة الهلال المصرية في عدد يونيو 2016

Friday 1 April 2016

ومضاتٌ من الوعي (قراءةٌ في المجموعة الروائية: صِدام الحفريات، لكريم الصياد)

رواياتٌ وَمضيّة .. كذلك أراد كريم الصياد هذا التصنيف لهذه الثلاثية المجموعةِ في كتابِه .. واكبَ ظهورَ هذا الكتابِ في النصف الأولِ من عام 2012 إعلانُ صاحبِه اعتزالَ الأدب بشكلٍ شبهِ مُؤقَّتٍ لرؤيتِه أنّ الوسط الأدبيّ المصريَّ غيرُ ملائمٍ لنوعيةِ ما يكتبُهُ من أدَب .. نحنُ أمامَ ثلاثِ رواياتٍ (وَمضِيّةٍ) هي بترتيبِها في الكتاب: (مُقشَعِرّات – صِدامُ الحفريّات: أركيولوچيا الأرضِ والسماء – الحَراشيف) .. كلُّ الروايات مكتوبةٌ بطريقةِ الفصول القصيرة المُرَقَّمَة المُعَنونَة بعناوين فرعية ..
الروايةُ الأولى (مقشعِرّات) يتبادلُ فيها البطولةَ مع الرّاوي شخصٌ غيرُ محدَّدِ الهُوِيّة يقولُ عنهُ في الفصلِ الأولِ (القهوة السويدية) إنه عرفه في أحد المؤتمرات الدولية و"لم يَعرف أحَدٌ الدولةَ التي كان يمثِّلُها" .. في إحالةٍ بلاغيّةٍ إلى المكتوبِ في كُتب السّيرة النبوية عن إبليس حين حضرَ اجتماعَ القُرَشِيّين للائتمارِ بالنبي .. ثُمّ إنه يصِفُ فعلَه بقولِه: "كان يصمت حتى ينتهي سيجاره متأملاً ما يخلقه من عوالم الدخان التي تمتد دون أيدٍ في الفراغ" في إحالةٍ مقلوبةٍ إلى الآية: "والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنّا لَمُوسِعُون". فهو خالِقٌ دونَ أيدٍ، دون قُوّةٍ، وربّما دون قصدٍ مسبَّقٍ، وربّما خَلقُهُ بالدخانِ هكذا تأكيدٌ لنظريةِ الصُّدفةِ في نشأةِ العالَم من طرفٍ خفِيّ .. المهمُّ أننا أغلبَ الظنِّ إزاءَ الشيطان في هذه الرواية .. تدريجيًّا عبرَ هذه الروايةِ الأولى يتخلّصُ الكاتبُ من جِلدِهِ الذي يبدأُ في القُشعريرةِ حين يأكلُ في الفصل الثالث (الشجرة) من الشجرةِ المحرَّمَة التي هي الفنُّ والمرأة .. يقولُ له الرجلُ الذي اتفقنا على أنه الشيطان: "سأعرف أنك أكلت من المرأة حين تلطّخك الأجنّة. وأنك شربت من السيمفونية حين تبللك الدموع. وأنك سكنت القصيدة حين يقشعرّ جلدك كالصوف المنفوش. حين يبدو عليك كمعطفٍ. حين يبدو عليك كمعطفٍ ليس معطفَك.". في الفصل الخامس (الثالوث) يدورُ حوارٌ بين الكاتب والبحر/ العالَم حول جدوى وكُنه العلاقةِ بين ثنائياتٍ هي: الكاتبُ والبحر/ الكاتبُ والمرأة/ الكاتبُ والشيطان، يختارُ الكاتبُ في نهايتِه أن يحتفظَ بعلاقتِه بالشيطانِ أمام البحر وأن تختفيَ المرأة: "فليكن هو هو .. وأنت بحرًا .. وأنا-يا بحر-طفلاً". وطفولتُهُ مع الشيطانِ تعني أنّ هذا الأخيرَ رمزٌ على تساقُطِ الأساطيرِ والأفكارِ المسبّقَة والانفتاحِ على العالَم واختبارِ الفروضِ بصددِ الوصولِ إلى الحقيقة .. ربما يكونُ هو الفلسفةَ ذاتَها باعتبارِها بحثًا دءوبًا عن الحقيقة .. يتعلّمُ الكاتبُ القشعريرةَ من الشيطانِ باعتبارِها أُمَّ اللغاتِ ويصبحُ حوارُهُ مع البحر من خلالِها .. بعد ذلك يتساقطُ عنه المزيدُ من جلدِهِ، مرّةً في صورةِ المرأةِ التي يريدُها ومرّةً في صورة القصيدة الموزونة التي يورِدُها في فصلٍ بعنوان (ديوان في رواية) يتلوهُ فصلُ (نقد) يسمعُ فيه تعليقَ الشيطانِ على القصيدة: "القوافي تخدش في الجلد كالأظافر لكنها لا تنغرس فيه، اترك الأظافر مرتشقة في جلد المستمعين أفضل"، و"أقترح عليك أن تدع بحور الشعر وتتعلم أنهاره، فتربتها أكثر خصوبة حول المصبّات وما يليها من أذن وُسطَى وداخلية".
الروايةُ الثانيةُ (صِدامُ الحفريات: أركيولوچيا الأرض والسماء) تحاولُ أن تختزِلَ التاريخَ الإنسانيَّ بما فيه من نشوءِ المجتمعات وتكوُّن السُّلطة ونشوءِ الدين وفكرةِ القداسةِ، وطبيعة الصّراع بين الطبقاتِ فيما بعدُ وتكوُّن علاقاتِ القُوّة – كما يفهمُها فوكو دونَ إشارةٍ صريحةٍ له – من خلالِ تدشينِ المعنى بالكلمةِ المكتوبة .. والرّاوي هنا في بعضِ الفصولِ يكونُ الكاتبَ نفسَه أو مجموعةً غيرَ محددةٍ تعبّرُ عن نفسِها بصيغة المتكلمين، ويبدأ ظهورُهم في الفصل الثاني (العهد) حيثُ يقولون: "ها نحن جئنا يا أنبياء .. الأرض عذراء. ونحن جميعًا سنصير من أبنائها". ويلجأُ الكاتبُ في عنونةِ بعض الفصولِ إلى ما يشبهُ الألعابَ البديعيّة القديمةَ لكن في ثوبٍ ساخرٍ جديدٍ ينتهِكُ تاريخَها الساذَجَ في الحقيقةِ .. وذلك كما في الفصل العاشر (عَدَن) الذي يشيرُ به إلى الجَنّة إشارةً واضحةً (رغم سكونِ الدّالِ في اللفظة المعجمية الأصلية)، ثُمّ الحادي عشر (نَدَعْ) ولا أعرفُ لها معنىً مباشرًا إلا (نَترُك) أو (نتخلّى) .. يقولُ في العاشِر بلسانِ المتكلمين المشارِ إليهم: "حديقة صغيرة ذات شجرة واحدة ستكون أجمل .. ستكون أرحب .. ستكون أشهى من كل ما سيصنع الناس من حدائق .. من كل ما سيجرب الناس من شهوات .. ستكون كذلك محرمة". حيثُ يعقّبُ المتكلمون بأنّ هذه الحديقةَ وهمٌ كبيرٌ سيتلهى به البشَر طيلةَ حياتِهم .. أما في (ندَع): "حتمًا ستجد وسط هذا الجوع ما تطعم به طفلها، بحثت كثيرًا حتى وجدتْ ساقها". فهو هنا يسرِدُ مصيرَ امرأةٍ يتتبعُها منذُ بداية الرواية ذاهبةً إلى فَناءٍ وعدَمٍ لا مَخرَجَ منهُ إلى وجودٍ ثانٍ، محاولاً فضحَ وهمِ الجَنّة الذي حدثَنا عنه المتكلمون بهذا المِثال .. والروايةُ ناضحةٌ بالنيتشوية .. فمحاولةُ الكاتبِ تتبُّع ظهور مفهومي الخير والشرّ وعلاقتهما ببقاء النظُم الاجتماعية مستقرّةً وإبقاء من في السُّلطة على مصالحهم يذكِرُنا بآراءِ (نيتشه) في (ما وراءَ الخير والشّرّ) وفي غيرِه من مُنجَزِه الفكريّ .. كما يشيرُ من طرفٍ خفيٍّ بين الفينةِ والفينةِ إلى الكائناتِ السوپر المتعالية على الأعراف والتقاليد المجتمعية وأخلاق العَبيد من مفهومٍ نيتشويٍّ كما في قوله: "إن الطيور التي تطير لن تحسدنا على أجنحتنا ولن يسحرها تحليقنا .. أما الطيور التي لا تطير فستؤمن بالسحر والحسد" وكما في فصل (ديك الحظيرة): "إذا أردتم أن يكفر الناس بأبطالهم.. اجعلوهم يؤمنون بالشيطان .. لا نعرف ما الشيطان .. أنا نفسي لا أعرف .. فليكن شيئًا ما, وستصبح البطولة لا شيء".
في الرواية الثالثة (الحراشيف) نستطيعُ أن نميِّزَ أركيولوچيا أخرى يبسُطُها لنا الكاتب، ولا نبالِغُ إذا قُلنا إنها أركيولوچيا (كريم الصياد) الشخصية .. وربّما يبدو أنّ تنامِيَ الأحداث الروائيَّ التقليديّ هو أوضحُ ما يكونُ في المجموعةِ هنا .. يخبرُنا (كريم) في الفصل الأول القصير –في لمحةٍ (ميتا-سَردِيّة)- بأنه يكتُبُ فصول هذه الرواية في الثواني التي يُغفِي فيها أمامَ مصادرِ مذاكرتِه لرسالتِه العلمية .. كثيرٌ من الفصول معنوَنٌ بأسماءِ أعلامٍ في التراثِ الفكري العربي الإسلامي: ابن رشد, ابن حزم، ابن سينا، الزركشيّ، ابن عربيّ .. وكلٌّ منهم يكونُ له تجسُّدٌ – أو فلنَقُل: تنَزُّلٌ – في أحداثِ الرّواية التي تقعُ في حارةٍ في السيدة زينب .. ثَمّ عسكَرٌ خياليّون يمثّلون تهديدًا دائمًا لأهل الحارة .. وهم غيرُ محدّدي الهُوِيّة مبدئيًّا .. وزمَنُ الرّوايةِ دَوّامِيٌّ حُلُمِيٌّ رائحٌ غادٍ في التاريخ .. ابنُ رُشد يصبح (رشدي) صاحب ورشة الأرابيسك، وابنُ سينا يصبح شيخًا سيناويًّا وابنُ عربيّ يصبح رجلاً ببذلة قديمة وطربوش جالسًا دائمًا في مكتبٍ يكتظّ بالكتُب ومنهمِكًا في فهرسة وتدوين كل شيء .. نعرفُ أنّ جماعةً سِرّيّةً تسمى (الحراشِف) تتكون لمقاومة الغزاة أو العسكَر الذين استوطنوا الحارةَ وهم – بخلافِ أهلِها – لا يفهمونَ شيئًا عن فنون العمارة ولا الموسيقى ولا النقوش الإسلامية، وأنّ زعامةَ هذه الجماعة تئولُ من أحدِ هؤلاء الأعلام إلى الذي يليه، حتى تصِلَ – بين مَن تصِلُ إليهم – إلى أم كلثوم ثُمّ عبد الوهّاب ثُم محمد عفيفي مطَر .. ونعرفُ أنّ نجاحاتِ الحركةِ في المقاومة تتوالى ولا يوقِفُها إلاّ زلزالُ 12 أكتوبر عام 1992 (وهو ما أحالَني بشكلٍ شخصِيٍّ إلى رؤية أسامة أنور عكاشة في مسلسل أرابيسك) ..
الخلاصةُ أننا بإزاءِ محاولةٍ لمعرفةِ حقيقة الهُوِيّة العربية الإسلامية الإنسانية منذُ نشأةِ الحضارةِ المسمّاةِ بهذا الاسمِ إلى الآن، وتصوُّرٍ للتياراتِ الفكرية التي دافعَت عنها وجددت دماءَها وفتحَتها على الإنسانيّة، في مقابلِ هؤلاء (العسكر) غير المحدَّدِين والذين ربّما يُقصَدُ بهم الجامدون الذين سعَوا إلى السلطةِ وإخضاع الناسِ بقتل تجلياتِ هذه الحضارة .. والاسمُ الذي اتخذته هذه الجماعةُ لنفسِها دالٌّ جِدًّا في اتجاهَين على الأقل .. أولُهما الحِرصُ المستميتُ على الدفاعِ عن الهوِيّة، وثانيهِما التمترُسُ بطبقاتِ الوعي والفكر الضاربةِ في طولِ التاريخ العربي الإسلامي كأنّها الحراشِفُ بالفعل ..
انتهاءً، فإنّ فصولَ الروايات الثلاثِ تتأرجَحُ بين الشِّعريّة الطافحةِ كأننا أمامَ قصائدِ نثر، والتماسُكِ النسبيّ في سياقِ الحدَث الروائي .. المجموعةُ جديرةٌ بالقراءة وإعادة القراءة في الحقيقة، وهي حُبلَى بمزيدِ إلهاماتٍ وأظنُّها كفيلةً بإدارةِ الكثيرِ من الجدَل حولَ عددٍ رهيبٍ من الأسئلةِ يبدأُ بمستقبَل الشكل الروائيّ، ولا ينتهي بإعادةِ الحَفر في مفهومِ الهُوِيّة.

نُشِرَت في عدد الأحد 27 مارس 2016 بـ(أخبار الأدب) المصرية