Sunday 18 March 2012


قراءةٌ في رواية (سيرةُ مولعٍ بالهوانم) لطلال فيصل

من الصعب ألا أتحدث عن نفسي بشكل مباشر وأنا أحاول أن أقدّم قراءةً لرواية (طلال) الأولى! ربما يبدو هذا سخيفًا ، لكنني قرأت نصوص هذه الرواية من قبلُ عشراتِ المراتِ ، ولم أقرأها أيضًا من قبل!
علاقتي المباشرة بكتابة (طلال) قبل هذه الرواية تتمثّل في بعض قصائد ديوانه (الملائكة لا تشاهد الأفلام الإباحية) ومقالَين أو ثلاثة مقالاتٍ قرأتُها له في جريدةٍ ما، وربما حوارٍ أو اثنَين في (أخبار الأدب) .. لكن (طلال) هو أحد أقرب أصدقائي إليّ، وهو زميلي في التنظيم السري المكوّن منه ومنّي فقط ، وبصورةٍ ضمنيةٍ ، وبشكلٍ ربما يتأبّى على الوعي!
المهم ..
(طلال) يكتبُ نفسَه ..
أتفهّمُ مآزقَهُ الكبرى لأني أشاركُهُ معظمَ أرضياتِهِ الثقافيةِ إن لم يكن كلَّها .. كلانا خرّيج (قصر العيني) بكل تداعياتِ ذلك الموقف من العقد النفسيةِ والذكرياتِ الجميلةِ الأليمة، وكلانا يكتب (كلانا يا واد يا طلال (سرقته ست الوعد من نومه وجاتله مضفـّرة)) ، وكلانا وقف على أرضيةٍ إسلاميةٍ بشكلٍ ما أو بآخر (وإن كان طلال أوغلَ في تجربة الجماعات ولم أوغل فيها فظلت علاقتي بالتبليغ والدعوة سطحيةً جدًّا) ، وكلانا أتى من بيئةٍ محافظةٍ بالمعانى الأكثر شيوعًا في مجتمعنا ، وكلانا في النهاية (يحيى المنقبادي) في أرض الخوف ..
الموقفُ النِّفَّرِيُّ الذي ابتدعه (طلال) ليقدمَ به روايتَه (موقف التأهّب) يلخصُ في رأيي موقفَه من ذاتِهِ ومن العالم، ليس ذلك فحسبُ ، بل إنه يشيرُ من طرفٍ خفيٍّ إلى موقفِهِ من تفاصيلَ بعينِها في عالمِهِ هذا ..
أعني:
حين يتحدثُ (طلال) صديقي عن أدبياتِ المتصوفةِ خارجَ الرواية ، فإنه يحترمُها ويُكبرُها ، لكنه يبذلُ جهدًا لإخفاء تأففهِ من حالةِ (عدم الضبط) المسيطرة على التجربة الصوفية .. لهذا يستعيرُ (موقفَ) النّفّريّ دون أن يحفظَ له قدسيَّتَه .. ينتهكُهُ بمقدار ما يستشهدُ فيهِ اللهُ بعبارة (أينشتين) .. ليس استدعاءُ (أينشتين) في الموقفِ الصوفيِّ (المفترَضِ) جلالتُهُ تسامحًا بقَدر ما هو انتهاكٌ لقدسيةِ الموقف .. لأكونَ منصفـًا ، فهو تسامحٌ يُبطِنُ السخريةَ والانتهاك ..
وحين يسألُ اللهَ "كيفَ أقتفي أثرَ الجميلاتِ وأنا لم أدخل في علاقةٍ أيِّ علاقةٍ؟ - كيف أكتب روايةً عن الجميلاتِ وأنا –وأنتَ أعلمُ – لم أمارس الجنس ولا مرةً واحدة؟" ومفارقةُ أنَّ اللهَ يقرُّهُ على الكتابةِ في الإجابة ، فإنَّهُ يؤطِّرُ حيرتَهُ العميقةَ في مسألةِ دور الكاتبِ إن كان له دور .. سيكتبُ (طلال) روايةً عن الجنس الآخر وهو لم يمارس الجنس .. سيصفُ البحرَ وهو لم يخـُضهُ ، وإنما اكتفى برؤيتِه .. هل الكاتبُ مشاهدٌ محايدٌ تنحصر مسؤوليتُهُ تجاهَ فنِّهِ في رصد ما يحدثُ بدقةٍ ومحاولة اكتشاف المنطق الذي يحكمُ هذا الـ(ما يحدثُ) دون أن يقدمَ إجابةً عن التساؤلاتِ التي يُثيرُها؟ أم أنَّ عليهِ أن (يخوضَ) البحرَ ويعرَك الجنسَ طوالَ الوقت؟ حين يستشهدُ الله بعبارةٍ لأينشتين ، فإن هذ العبارةَ تكونُ "الخيالُ أقوى من المعرفة" .. ليس عليكَ يا صغيري أن تخوضَ البحرَ وإنما عليكَ أن تتخيلَه ..
لِيَكُن ..!

حين يبدأ (طلال) الروايةَ بـ(مس هالة) فيقدمُ نفسَهَ العاشقَ الطفلَ الذي يغارُ على معلمتِهِ ، يتّسِقُ من جديدٍ من رؤيتِهِ لذاتِهِ التي لا يصيبُها التغيرُ ، فهو في نهاية الحكاية الثامنة (عن لوليتا بولكوفا) يحاولُ أن يكتنهَ ما تفكرُ فيه راقصة الباليه بعد مرور كل هذه السنوات فيقول: "هل أمرُّ بخاطرِها ولو لمرةٍ واحدةٍ، تتساءلُ فيها بينها وبينَ نفسِها عن هذا الصبي العجيب الذي أصرّ أن يكلمَها بلغةٍ لا تفهمُها طوال مدة إقامتها في مصر!" .. صبيٌّ رغم أنه طبيبُ امتياز .. صبيٌّ لأنه يواجهُ العالمَ ببراءةٍ أصيلةٍ لم تتدنّس بالدنَسِ الأكثر عالميةً في كل الثقافات وعبرَ تاريخِ الجنس البشري (الجنس) .. وصبيٌّ لأنَّ أمامهُ الكثيرَ ليتعلمَهُ دائمًا .. وصبيٌّ بما تثيرُهُ الكلمةُ لغويًّا من دلالةِ الصبوةِ إلى الأنثى .. لا يتغيرُ جوهرُ الرّاوي طوالَ الرواية .. تتراكمُ ثقافتُهُ ومعارفُهُ تدريجيًّا ، لكنّه يظلُّ بِكرًا أصليًّا في علاقته بالله والعالَم .. والمعادلُ الموضوعيُّ لهذه البكارةِ هو عدمُ التدنُّس بالجنس ..
لماذا قرّرَ (طلال) أن يحادث (لوليتا) بالعربيةِ التي لا تفهمُها بعد محاولاتٍ فاشلةٍ للتواصل معها بالإنجليزية أو الفرنسية؟ من المؤكد أن محاولاتٍ بالإنجليزية غيرَ ناجحةٍ تمامًا ، أفضلُ من محاولاتٍ بالعربيةِ مستحيلةٍ بالقطع!
أتصورُهُ قد قررَ ذلك ليحافظَ على الحاجزِ الذي يفصلُهُ عن خوضِ البحر .. هل يريدُ ولا يريد؟ هل (يريدُ) بوعيِهِ ويكررُ ذلك طوالَ الوقتِ ، لكنهُ (لا يريدُ) بلاوعيِهِ ولذا قرر أن يحادثها بالعربية؟ ربّما قطع (طلال) بإجابةِ السؤالِ الخالدِ عن دوره ككاتبٍ منذ البدايةِ وقبلَ أن يصوغَ السؤالَ بالفعلِ ، ففقالَ (لاوعيُهُ): "أنا مجرَّدُ راصِد .. لن أعرك العالم حقيقةً .. لن أخوضَ البحر .. لن أمارسَ الجنس." ولذا قرر أن يتكلمَ بلسانهِ الأمّيّ النقيّ الذي لم يتدنس بالمعرفة البَعدية (ممثَّلةً في الإنجليزية) .. دعها لا تفهم .. المهمُّ أن أتخيلَ أنا كما قال (أينشتين) .. حالةٌ من السلفيةِ الكامنةِ هنا أيضًا .. السلفيةُ بما هي رجوع للأصل في بساطتِهِ ودون التعقيدِ الناجمِ عن تراكمات الحضارة.

   ألم أقل في البداية أنه يصعبُ عليَّ أن أتكلمَ عن عملٍ لـ(طلال) ولا أتكلمَ عن نفسي؟!
 في تجربتي الشعرية الوحيدة المهداةِ إلى (طلال)، والتي كتبتُها عام 2006 ، وبغضِّ النظرِ عن القيمةِ الفنيةِ للتجربة المفردة، فقد عنونتُ التجربةَ بـ(مسامرةِ الصّبيّ) (وهي موجودةٌ في ديواني (تعاطٍ)) .. حيثُ أقول في بيتها الثاني:
"أنا يا صبيُّ مجاهِدٌ فيكَ الصِّبا .. مُستأصِلٌ من فِيكَ ألسُنَ حالي" .. وأذكر أن العزيز (طلالاً) سألأني حين ألقيتُها عليه: "هل ترى فيَّ صبوةً ما؟" .. يبدو أنّني أمتلكُ رؤيةً بالفعل يا صديقي!!
 
  بالطبعِ لا قيمةَ لأن أورِدَ أمثلةً من الرواية على انشغال (طلال) بالهمّ الإسلامي ، فهو يمثلُ بالفعل الخلفيةَ (الشرعيةَ) للرواية .. ورُبّما لهذا نجد بطلات الروايةِ (هوانم) كما يحب (طلال) أن يسميَهن .. هوانم لأنهنَّ أقرب إلى الحالةِ المحافظة التي ينتمي إليها التصورُ الإسلاميُّ الذي يقفُ على أرضيته الكاتب .. ولهذا أيضًا يستبعدُ (سعاد حسني) بشكلٍ صادمٍ جدًّا في بداية حديثه ، ويُدرِجُ في (هوانمِهِ) شخصيةً كـ(درّيّة شرف الدين) ..

ربما تكون حكاية (صفية وآسر صالحين) / الحكايةُ الخامسة جديرةً بأن تحتلَّ صدارةَ مشهدِ الحكيِ في الرواية ..
هي كذلك من وجهةِ نظري لأنها الحكايةُ التي ينزاحُ الراوي من بطولتها ليفسحَ المجالَ لغيره، وهو هنا صديقُهُ/ أو بالأحرى زميلُهُ (آسر صالحين) .. قصة (لوليتا) قويةٌ – لا شكَّ في ذلك عندي – لكنَّ راويَها بطلُها كما هو الحالُ في بقيةِ الحكايات .. أتصوّرُ أنَّ لمركزية الراوي البطل في الرواية علاقةً بحداثةِ انقلاب (طلال) على الشِّعر كفنِّ مرجعيٍّ بالنسبةِ له .. الشِّعرُ في التصور الأكثر شيوعًا عنه استبطاناتٌ للموضوعاتِ في ذات الشاعر، فهو مركزُ التجربة الشعرية البارزُ في معظم الأوقاتِ إن لم يكن دائمًا .. وهذا هو الحالُ في الروايةِ هنا، باستثناء الحكاية الخامسةِ التي أعتبرُها نقطةَ انطلاقٍ لـ(طلال) كروائيٍّّ فيما يُستقبلُ من كتاباته ..
لماذا (ما هو المرادفُ العربيُّ لكلمة Mediocrity) هو العنوانُ الفرعيُّ لحكاية صفية وآسِر صالحين؟
يبدأ (طلال) الحكايةَ بأن السبب الذي يجعل شخصًا ما (وهو آسر) يحب فتاةً اسمها (صفية زينهم بيومي) ويضعها في قائمة الهوانم ، هو ذاتُ السبب الذي يجعلُهُ يعتنقُ الفكر السلفي .. اختزالاتُ (طلال) الواضحة المعقَّدة .. رمزه المفضوحُ المتواري .. هل (صفيّة) بما هي عليه من عادية Ordinariness هي التجسُّدَ الحيَّ للـMediocrity؟
اللفظة الأخيرةُ تردُ في سياقاتٍ تتعلقُ غالبًا بنقد الفنانين .. إنها السُّبَّة التي يفرُّ منها كلُّ من له صلةٌ بالإبداع ..
لكن هل يجوزُ مجتمعيًّا أن نستخدمها في سياقات الحياة الواقعية؟ أعني أنَّ (صفية) مجرد طالبة طب لا هي جميلة ولا قبيحة ، لا متفوقة ولا بليدة ، ولا أي شيء .. لكن دعني يا (طلال) أذهب معك إلى طرفي الحياة الطلاّبية الممكنة لمثلها .. لو كانت (صفية) متفوقةً ، كنت ستنعتها بالـmediocrity أيضًا . وكذلك لو كانت (بليدة) .. وكذلك لو كانت بارعةَ الجمال متفجرةَ الأنوثةِ أو شديدةَ الدمامة .. إنه موقفٌ يتبنّاه الفنّانُ إزاءَ من ليسوا بفنّانين، قبلَ أن ينعتَ به من يزدريهم من الفنانين .. في النهاية .. يبقى السؤال .. إن كان للأخلاقِ وجودٌ حقيقيٌّ، فهل هذا الموقفُ أخلاقيّ؟! ليست لديّ إجابة !!
المهمُّ أنّ (طلال) يحاول أن يكسرَ لدى متلقّيه النمطَ الشائعَ لديهم عن السلفيِّ، والذي كوّنته سيناريوهات (وحيد حامد) كما يقولُ صراحةً، بأن يُورِدَ مواقفَ (آسر) التي يظهرُ فيها عطفهُ على الراوي وتسامحهُ معه ، وفي ذات الوقتِ يتخذُ موقفًا مسبَّقًا منه حين يُلمِحُ بالـMediocrity في بداية القصة ..
إذَن رُبّما كان اعتناقُ الفكر السلفيِّ شيئًا غير الـMediocrity ، ولا هو حتى تجلٍّ من تجلياتها .. السلفيةُ – من خلال قائمة المحرّمات التي يذكرُها (طلال) والتي يستثني منها (آسر) صوتَ الشيخ (مشاري راشد) – جنوحٌ إلى البساطةِ الأولى من خلالِ توسُّعِ واطّرادٍ في استخدام القاعدة الفقهيةِ المتعلقةِ بـ(سدّ الذرائع) .. هي محاولةٌ للعودةِ إلى حالة المجتمع الإسلامي في نواتِهِ الأولى في العصر النبوي، وقبلَ أن تتجلى (زهرةُ الحياةِ الدنيا) بعد الفتوحات الإسلامية ونمو الحضارة .. أمّا الـMediocrity فهي موقفٌ يتبنّاه المبدعُ من غير المبدعِ طيلةَ الوقتِ، ربّما كحيلةٍ دفاعيةٍ لإثبات أصالةِ إبداعه ..
دعني يا (طلال) أتوسّل في هذه المسألة ببداية رواية (روبنسون كروزو) وهي فتحُ الرواية الإنجليزية الأولُ، الذي يحتفي بالروح البروتستانتيةِ ويفككها في ذات الآن .. الأبُ ينصحُ ابنه (روبنسون) في البداية بأن يسلك الطريق الوسطى في الحياة The Middle Way .. إنه طريقُ الموظفين والأطباء العاديين (غير العلماء) والمهن الموقّرة مجتمعيًّا دون وجود إبداعٍ أصيلٍ في ممارستها .. يندمُ (روبنسون) وهو يحكي عن رفضه لهذه النصائح ، ويقولُ إنه لم يقدّر قيمتَها إلا بعد أن أخذ الطريقَ التي اختارَها وهي طريقُ الاكتشافِ والمغامرة (التجلي الحقيقي للروح البروتستانتية التي لا تأمنُ أبدًا لرضا الإله عنها فتطمحُ في مزيدٍ من الجهاد/الاكتشاف والمغامرة، بعد أن أسقطت سلطة زعماء الكنيسة الذين كانوا يضمنون مستوىً معقولاً من رضا الله) .. يكرّس (دانييل ديفو) روحَ مذهبِهِ، ويفككها ببيان ما تنطوي عليه من إنهاكٍ حتميٍّ أبديٍّ في ذات الآن .. ما يهمُّنا الآنَ هو أن نشيرَ إلى تعبير (الطريق الوسطى) التي هي الـMediocrity .. حالة الرضا باللاإبداع هنا غيرُ حالةِ تقويضِ الوضع القائم في سبيل الوصولِ إلى أصلٍ غائبٍ مستحيلٍ كما في السلفية .. هذا هو تصوري الذي أردتُ بيانَه ..

  دعني أنتقل إلى نقطةٍ أخرى متعلقةٍ بحكاية (آسر صالحين) .. أرى أنّ (آسر صالحين) السلفي المثالي الذي يُلمحُ (طلال) إلى أنه أرادَ أن يكونَهُ وفشِل، هذا الـ(آسر صالحين) هو (طلال) طيلةَ الوقت!
(آسِر) يحبُّ زميلتَهَ (صفية) العاديةَ جدًّا بكلِّ المقاييس .. و(طلال) في الحكاية الموازية مع (لوليتا) (الحكاية التاسعة) يحبُّ باليرينا روسيةً يصرِّحُ بنفسهِ أنه يكاد يكون من المستحيل أن تفرّق العينُ بينها وبين رفيقاتها اللاتي هم دون الـVidette في الباليه .. إنه يعيدُ إنتاجَ (آسر) طيلةَ الوقت .. وبينما يعود (آسر) إلى ولعه بفن الخط العربي ويكتبُ لوحة (وزوّجناهم بحُورٍ عِينٍ) ، يختار (طلال) سنَّ الثالثة والثلاثين لُينهي به شقاءَ الروايةِ ويقرر أن يتزوّج ابنةَ معلمته الأولى .. لماذا الثالثة والثلاثون بالتحديد؟؟! أليست هذه سِنَّ أهل الجنة في المأثور الإسلامي؟ يبعثُ المؤمنون شبابًا على هذه السنّ، ويُزوَّجون الحُورَ العِين .. يعيد (طلال) إنتاج (آسِر) هنا أيضًا بآليةٍ مختلفة ..
ولأني آليتُ على نفسي أن أذكُرَ نفسي بينما أتحدث عن تجربة (طلال)، فإنني لسببِ مشابهٍ قررتُ أن يعودَ العالمُ إلى الحالةِ الجليديةِ على أجنحة (صَرّار الليل) في قصتي (أولي أجنحة) ، وأنا في الثالثة والثلاثين .. لم أذكر هذا صراحةً في القصة ، لكن بتتابع الأحداث وبمعرفةٍ شخصيةٍ وثيقةٍ بظروف دراستي الحالية ، يستنتج القراءُ المحدودون أن البطل هو أيضًا في الثالثة والثلاثين! ما علاقةُ هذا بحديثِنا؟ هاه؟!!

لابُدّ أن تستوقفَكَ حكاية الجميلات الثلاث الواقفات أمام مستشفى (أبو الريش) / الحكاية السابعة المعنونة (حكاية هامشية تمامًا) .. ماذا يريدُ (طلال) هنا؟
قد تبدو الحكاية مقحمَةً على سياق الرواية .. لكن لا! تمهّل قليلاً ..
الحكايةُ حالةٌ وسطٌ بين موضوعية الخامسة (صفية وآسر صالحين) وذاتية التاسعة (لوليتا بولكوفا) .. البطل (طلال) وهو ليس البطل أيضًا ، لأنَّ البطلَ شابٌّ مستهترٌ يجيءُ من لامكانٍ بعينه ويسمع (طارق الشيخ) ، وتحديدًا في أغنيته (يعمل اللي يعجبه) .. هل هو البطل الذي يشتاق (طلال) أن يكونَه رغم كل محاولاتنا لنفي ذلك؟! إنه البطل الذي يقرر أن يغتصب لمسةً (آثمةً) من طالبة الطب ، ويكرس له فنــُّـه الأثيرُ هذا الموقفَ حيث تقول الأغنية (يعمل اللي يعجبه) .. إنه موقفٌ على النقيض من موقفِ المتفرج الراصد الذي يتبناه (طلال) البطلُ اللابطل .. فالأغنية الشعبية تجيء (تقريريةً .. بلا خيالٍ ، ولا استعارةٍ ولا مجازٍ) كما يقول (طلال) .. بينما تقولُ عبارة (أينشتين) المقدسةُ المنتهِكَة في المقدمة: "الخيالُ أوسعُ من المعرفة" .. صدقني يا (طلال) .. الآن أشعرُ برِعدةٍ تتمشى ف جسدي على مهَلِها .. إنه الألم .. كلُّ هذا التمزق يا صديقي ...

في النهاية
أزعم أن الكلام عن الرواية لم ينتهِ بعد .. تظلُّ الرؤى التي أطرحُها هنا طِفلةً للغاية وهي تحومُ حولَ عملٍ فنيٍّ هامٍّ كهذا .. وتظلُّ أسئلتي أسئلةً لا أملكُ لها إجابات .. وتظلُّ الروايةُ حُبلى بالمزيدِ من هذه الأسئلة وما إليها ..
وأعتذر يا عزيزي المسافر
عن إقحام ذاتي في قراءةٍ لروايتك .. كما أعتذر عن إقحام ذاتك التي أزعم أني أعرف عنها الكثير (وهو ما لا قِبَلَ لي بفعله في قراءاتِ لأعمال غيرك) .. يبدو أنه من الصعبِ على أمثالي أن يكتبوا بعيدًا عن ظلال الصداقة!

كن كما أنت .. وأعدكَ أنني سأظلُّ كما أنا ..
مولَعًا بالهوانم.


No comments:

Post a Comment