Thursday 17 September 2015

مَرثِيَّةٌ لغِطاءِ الرَّأس


راحةُ الأبِ أينَ اختَفَتْ؟
لا أراها تُرَبِّتُ رأسَ الغُلامْ
كان نسجُ الطواقي فضيلةَ مَن سبَقُونا،
كأنّي أرى رجُلاً في ثلاثينِهِ
شَدَّ مِن بِركَةِ الذِّكرياتِ يَدًا حانِيَةْ
وتأمَّلَها ثُمَّ راحَ يُفَصِّلُ مِن لَمسِها ما يُحيطُ بهِ رأسَهُ
وَهْوَ يَذرَعُ حارتَهُ الفانِيَةْ
مَدَّ خَطَّ العُمُرْ
لِيَكونَ استواءً لطاقِيَّةٍ سيُغَنّي الشيوخُ الخُلُودَ
إذا ما رأَونِيَ ألبسُها وأمُرّْ
وزرعتُ على جانبَيهِ العِضاهَ،
زرعتُ السَّمُرْ
لا يَفوتَنَّكَ الشّوكُ عقربُ ساعةِ هذي الحياةِ
وتوأمُ ما يَتراءَى لكم مِن قُطوفِكُمُ الدّانِيَةْ

فاعتمرتُ العِمامَةْ
وتذكّرتُ راحةَ أرواحِ مَن طَرَّزُوا بالمُوَشَّحِ أشواقَهُمْ،
واعتمرتُ العِمامةَ يا سادَتي ثانِيَةْ
ثُمَّ حطَّت يَمامةْ
عندَ مَفرِقِ أيامِيَ المُشفِقاتِ وأيّامِيَ الجانِيَةْ!
واعتمرتُ العِمامةَ لمّا سَبَى أُذُنَيَّ الكلامْ

كان طربوشُ قاهِرَتي قانِيًا كدماءِ المظاليمِ
حينَ تُراقُ على صفحاتِ الشّوارِعِ،
كان النّبيذِيُّ مثلَ شَرابٍ أتى في جُيوبِ الخواجاتِ
رغمَ أُنوفِ الزُّجاجاتِ،
كان حلالاً لِمَن قد تَحَنَّفَ،
ليس على الحَنَفِيِّ مَلامْ!
إنني ساهِرٌ ليلَكُم يا أفَندي ..
إنّما حَيرَتي في اختيارِ المكانِ،
فمِن أينَ أبدأُ؟
كلُّ مكانٍ هنا هو زهرةُ رَندِ ..
سوفَ أصحَبُ نحوَ النهارِ رِفاقَ الكِفاحِ،
شيوخَ الصُّحُونِ المليئةِ،
أصحابَ هذي الحوانيتِ،
والعاشقينَ،
وغانيةً تستقِلُّ بزَندِي ..
فإذا جَنَّ ليلٌ
فإنّ طرابيشَ قاهِرَتي ستُضِيءُ الظَّلامْ

لم يَكُن مَن تَقَبَّعَ فيما مَضَى مُغرِبا
رُبّما كان يَحمِلُ (لندن)/ (باريسَ)
كي تأكُلَ الطيرُ منها،
ولكنّهُ لم يَزَلْ شادِيًا مَشرِقِيَّ الغِنا مُطرِبا
إمبراطُورَتي القُبَّعَةْ
لم تَغِبْ شمسُها عن جدائلِ رأسِي،
ولكن توارَتْ
وظَلَّ شُعاعٌ لها يتراقَصُ بينَ يَدَيَّ لِكَي أتبَعَهْ

عَرِيَ الرأسُ
والناسُ:
لم يَعُد الناسُ يستمرِئُونَ فضائِلَ مَن سبقُوهُم،
ولا يستبيهِم كلامٌ
ولا يزدَهيهِم حَلالٌ
ولا يأبَهُونَ لِطَيْرْ
عَرِيَ الرأسُ
لم يَعُد الناسُ يلتفتونَ لِهَيبةِ تلكَ السّماءْ
بَيدَ أنِّيَ بِي يا صَديقي أَذًى مِلءَ رأسِي،
فهل ستُشارِكُني في شَعائرِ لُبسِ الغِطاءْ؟!
............................. 
محمد سالم عُبادة
الأربعاء 1/5/2013
نُشِرَت في (أخبار الأدب) بتاريخ 23 أغسطس 2015

No comments:

Post a Comment