Tuesday 22 May 2012

لماذا صوتي لخالد علي؟ أو: لماذا سكتُّ دهرا .. ونطقتُ كُفرا؟!



لماذا صَوتي لخالد علي؟
أو:
لماذا سكتُّ دهرا .. ونطقتُ كُفرا؟!
·       مقدمةٌ قصيرةٌ منفلتةٌ من المنطق:
في المسرح اليوناني القديم ، ظهرت تقنية الإله الخارج من الآلة Deus ex Machina أي الحدث أو الشخصية الخارجة عن سياق الحكاية ، والتي تغير مجراها بالكامل .. مشهد انتخابات الرياسة في مصر لا يختلف كثيرًا ، فيد الإله التي ستغير كل شيءٍ هي ما يسمى بالمجلس العسكري. التربيطات والصفقات فوق كل شيءٍ بالتأكيد ، ولا يمكن تصوُّر أن يشرف المجلس العسكريُّ على انتخابات رياسةٍ (تهمِّشُ دورَهُ في صناعة القرار، أو تحدُّ من استقلالية ميزانيتِهِ وتعاليها على مراجعة وتدخل الپرلمان، أو تحاسب أعضاء هذا المجلس على ما يُعتبرُ من وجهات نظرٍ كثيرةٍ انتهاكاتٍ ارتُكِبَت بحق الشعب المصري خلال ما يسمى بالفترة الانتقالية، حين يصل أحد المرشَّحين إلى منصب الرئيس) دون أن يتدخلَ هذا المجلسُ العسكريُّ في وصول شخصٍ بعينِهِ إلى هذا المنصب ، بأي وسيلةٍ ممكنةٍ، وبينها ما يتواردُ عن تزوير بطاقاتٍ مدنيةٍ لأفراد الجيش والشرطة، أو حشد أهالي المجنَّدين والضباطِ للتصويت لصالح مرشَّحٍ بعينه، أو عقد صفقاتٍ واضحةٍ أو ضمنيةٍ مع كل المرشَّحين. ولهذا، فإن قراري بشأن التصويت لمرشَّحٍ بعينِهِ لا يعني أنني أعلِّقُ آمالاً عِراضًا عليه أو على غيره إن وصل إلى كرسيِّ الرياسة .. وإنما أنا أنزلُ إلى الشارع وأدلي بصوتي من منطلَق ممارسةِ المتعة الصافية المتعالية على التبرير العقليِّ أساسًا ، لأنَّ كل هذا عبث .. وأحبُّ أن أنوِّهَ مقدَّمًا إلى أني لن أتعرضَ لبرنامج مرشَّحي المفضَّل أو أيٍّ من المرشَّحين ، لأن البرامج متشابهةٌ كما يعرف الجميع ..
·       نقاطٌ هامةٌ في اختياري لخالد علي:
1-             ضعفُ الكاريزما: لا أحبُّ أن أغمط حقَّ الرجل .. لكن يبدو أنَّ الكاريزما – مع ذاتية الحكم عليها – هي جِماعٌ لعدة عوامل تبدو تافهةً لكنَّها توجهُ الرأيَ العامَّ في اختيار مرشَّحٍ على حساب آخَر .. في أمريكا مثلاً نجد أنَّ ناخبًا غيرَ مُسيَّسٍ قد يختار في عامٍ مرشَّحًا جمهوريًّا ، وبعد ذلك بأربعة أعوامٍ مرشَّحًا ديمقراطيًّا ، استنادًا إلى الانطباع الذي وصله من أداءِ أحدهما كرئيسٍ بالفعل في الفترة السابقة ، وإلى البرنامج أحيانًا ، وإلى الكاريزما في معظم الأحيان .. لست متخصصًا في التواصل غير اللفظي، لكن أزعمُ أنَّ عواملَ من قبيل مواجهة العين Eye Contact
وخامة الصوت Pitch of Voice وحركات الأيدي ، بالإضافة إلى منهجية عرض وجهات النظر وحتى شكل وجه المرشَّح وربَّما توزيع الشَّعر في وجهه وبنيته الجسمية : كلُّ هذا العوامل تخلق الكاريزما .. في رأيي أنَّ (خالد علي) حظُّهُ من هذه العوامل قليلٌ ، رغم حبي للرجل على المستوى الشخصي والانتخابي .. لماذا إذن أنتخبه بعد هذا؟؟ لكي أكسِرَ حالةَ الرئيسِ الإله/الفرعون/الأب المتجذرة في الوعي الجمعي المصري (قال الفنان هاني رمزي في حديثٍ تليفزيوني: احنا مش محتاجين عقل يحكمنا .. احنا محتاجين قلب يخاف علينا!) ، وليصبحَ الرئيسُ مجردَ تُرسٍ في ماكينة (ليست هي ماكينة الإله المشار إليها آنفًا بالتأكيد) .. ربما هو ترسٌ كبيرٌ ، لكنه ترسٌ في النهاية .. دولٌ كثيرةٌ ذات نظامٍ رياسيٍّ كالذي كان قائمًا لدينا لا يُحاطُ فيها الرئيسُ بكلِّ هذه الهالة ولا تدبَّجُ في مدحه وتكريسه الأغاني .. فلماذا لا يكونُ ترسا؟! هذا مع ملاحظةِ أنَّ صلاحياتِ الرئيسِ المنتخَب غيرُ معروفةٍ إلى الآنِ ، وأننا نقامرُ على ورقةٍ مجهولةٍ بالأساس ..
2-             تاريخ الانحياز للمهمَّشين: رغم تنويهي بأني لن أتعرَّضَ للبرنامج الانتخابي ، فسأستندُ فقط إلى تاريخه القصير كمدافِعٍ عن حقوق المهمَّشين في هذا المجتمع ، وهو شيءٌ يمكن للمهتم أن يراجعه على صفحته الرسمية على الإنترنت .. صحيحٌ أن لمرشَّحين آخرين تاريخًا نضاليًّا محترمًا في أكثر من اتجاهٍ ، لكني أزعم أن تركيز (خالد علي) على قضايا المهمَّشين يتمتع بفرادةٍ لا تُجحَد .. المهمَّشون هم معظم الشعب المصري في النهاية .. أذكرُ عنوانَ خبرٍ في مجلة (المُصَوَّر) ، في عددٍ طالعته مع أبي بينما كنا جلوسًا في (جروپي) حديقة الحيوان منذ أكثر من سبعة عشر عامًا: "ربع مليون طبيب مصري تحت خط الفقر" .. ماذا عن الطبيب المصري الآن؟؟ الطبيب المصري ليس هو المهمَّش .. وأنا في النهاية لا أهتمُّ كثيرًا بأي إحصاءٍ يصدر عن جهةٍ إحصائيةٍ مصرية .. تعلمتُ ألاّ أهتم .. أنا فقط أخرجُ صباحًا لأقفَ في محطة الأتوبيس منتظرًا ما يذهبُ بي إلى (قصر العيني) طالبًا ، أو (أحمد ماهر) طبيبًا ، أو (جامعة الأزهر) طالبَ ماچستير ، لأشمَّ رائحةَ روثِ الغنم الرابضة تحت إمرة الراعي البورچوازيِّ الصغير عند المحطة ، ولتبدَهَني صورةُ رجلٍ مسنٍّ أو طفلٍ أو امرأةٍ في منتصف عمرها تعبثُ في أكوامِ الزبالة القريبة والمتناثرة ، علَّها تجدُ إفطارَها ..
3-             لستُ صادرًا في هذا الاختيار عن رومانسيةٍ ثوريةٍ تستدعي شعراءَ أوربّا في عام الثورات في 1848 .. فأنا لستُ رومانسيًّا بالمرَّة .. يعرف هذا قليلون يقرأون ما أكتبه ، ويعرفه أصدقائي المقرَّبون الذين سمعوني أتجشَّأ بعد (شوربة العدس) .. كما أنني لستُ ثوريًّا، وأعترفُ بهذا .. لم أنزل إلى ميدان التحرير طيلة ثمانية عشرَ يومًا إلا يومَين .. وليسَ وراءَ هذا إلا الكسلُ أو اليأسُ في معظم الأحيان .. وهي طبيعةٌ لا يصعبُ تغييرُها على من يمتلكُ الإرادة .. لكنَّ لي تفضيلاتي الشخصيةَ فيما يتصل بقضاء وقتي .. ولا أعتقد أنها ستتغيرُ في الأمد القريب .. المهمُّ أنني أرشِّحُ (خالد علي) لسببٍ أكثر جذريةً من الرومانسية الثورية .. فإنني مصداقًا لشعارِ حملته الانتخابيةِ الموازية : اعتبرته اخويا! الرجلُ أكملَ الأربعينَ بالكاد .. ربما خبرته الإداريةُ ضعيفةٌ ، لكنني أفترضُ وجودَهُ وسطَ (مؤسسةٍ رياسيةٍ) متكاملةٍ وطاقِم مستشارين .. كما أنني مهتمُّ بفكرة الترس إلى أبعد الحدود .. أنا أحبُّ التروسَ في الحقيقة!!
4-             القاف: (خالد علي) لا ينطق القافَ سليمة .. وهذا من أسرارِ ترشيحي إياه .. (خالد علي) لا يشبهُني .. ربما يمثل (خالد علي) بقافِهِ المحتفيةِ بالضعفِ ، وملامحه الموغلةِ في الدقهليةِ الطيِّبةِ التي أحبُّها : أقولُ ربما يمثلُ نقطةَ تطورٍ حقيقيةً في مسار الفكر السياسي المصري .. لن يتولى (خالد علي) الرياسة ، وفرصه منعدمة .. ولكن هذا لا يعنيني! (خالد) يمثل انهيارَ مركزية الرئيس في نظام الحكم .. خطوةُ باتجاهِ اللاسلطوية Libertarianism .. أنا لستُ لاسلطويًّا أصلاً ، لكنَّ وصولَ مجتمعٍ ما إلى التكيف مع اللاسلطوية يعني تقدمًا إنسانيًّا في رأيي .. أنا مجردُ خادمٍ للقدَر .. وكذلك (خالد علي) .. ولن تقومَ الساعةُ إلا على شِرار الناس .. هه! أعرفُ أنها مسألةٌ محيِّرة .. لكن من قرأ عن الجماعات الدينية اليهودية التي ترفضُ قيامَ إسرائيل الدولةِ بشكلِها الحاليِّ وترفضُ الهجرةَ إليها من منطلَقِ أنَّها تحايُلٌ على كلمة الربِّ ، يعرف ما أعنيه .. الاستسلامُ للقدَر . الاستسلامُ للتاريخ .. من قرأ كتاب الدكتور (رشاد الشامي) عن (القوى الدينية في إسرائيل .. بين تكفير الدولة ولعبة السياسة) ، يدركُ ما أعنيه!
5-             لماذا ليس أبا الفتوح تحديدًا: يراهن البعضُ على (أبو الفتوح) باعتباره قادرًا على مواجهة العسكر وتحجيمهم في حالةِ إذا ما لقيَ تأييدًا شعبيًّا كاسحا .. وأنا لم أستطع أن أرى ذلك لسببٍ هامٍّ هو تصريحاته المهادنةُ للعسكر .. لا يعني هذا أنَّ الآخَرين لم يهادنوا العسكر .. التربيطاتُ فوق الجميع .. لكن حتى إذا نجح (أبو الفتوح) في تحقيق حلم النخب الثورية ، فإنه سيكونُ بذلك ضد النقاءِ الثوري ، الذي لا أدّعي الدفاعَ عنه لأنه غير ممكن التحقق في ظلِّ حنَقِ الكثرة الكاثرة من الشعب المصري على نفس هذه النخب الثورية! أعني أنَّهُ سيثبتُ پراجماتيَّته إن فعل .. فهل الپراجماتيةُ عيبٌ في السياسة؟ بالطبع لا .. لكنَّ التباسَ مواقفِ الرجلِ وتاريخَهُ الإخوانيَّ (مع ما يتميز به الإخوان من تبدُّلٍ سريعٍ في القراراتِ حسبَ المصالح التي لا يعلمُها إلا اللهُ جلَّ وعلا ، ثم فضيلةُ المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد) لا يجعلاني واثقًا تمامًا في قدرته على إنجاز هذا الفعل الحاسم مع العسكر .. هذا مع محبتي الحقيقية لشخص الرجل ، بشكلٍ يصعب تبريره ، لكن ربما يكون مرجعُ هذا إلى نظرته الأبوية الحانية ونبرة صوته المُحتَوِية ..!

·       سيناريوهات بديلة:
1-   لو كنتُ في ديمقراطيةٍ راسخةٍ كأمريكا: والدستور قائمٌ يحدد صلاحيات كل سلطةٍ في نظام الحكم .. إذن لاخترتُ صاحب الكاريزما الأعلى ، ومعه نائبه بالطبع .. في رأيي ، هما (حمدين صباحي) ، ونائبه (الدكتور سليم العوّا) .. لن يستطيع الرئيسُ إساءة استخدام تلك الصلاحيات لوجود ضوابط دستوريةٍ وعُرفيةٍ عتيدة .. لم أرفض (حمدين) لقوميته العربية ، أو لخوفي من تكراره التجربة الناصرية أو لانتمائه إلى الناصرية .. فالمرجعيةُ لا تُخيفُ مهما كانت (إلا إذا انطوَت بحكم بنيتِها على انغلاقٍ تنظيميٍّ ومبالغةٍ في المكيافيللية) .. الأفكار تتطور .. ولا يمكن استنساخ تجربةٍ مضى على تحققها أكثر من أربعين عاما .. التاريخ لا يعود للوراد ، وظروف اليوم غير ظروف أمس .. لكنّي ببساطةٍ ، لا أريدُ إلهًا على كرسي الرياسة .. أنا مسلم! وصديقي المسيحيُّ مسيحيّ!! لدينا عباداتنا بالفعل .. عذرًا أستاذ (حمدين) ، لكنك بالفعل مضيءٌ أكثر مما ينبغي .. هذا رأيي .. ولك أيها القارئ النادر أن تقذف به في بالوعة العوالم المتوازية .. إذن فلماذا (العوّا) نائبًا؟؟ تذكَّروا نواب الرؤساء في أمريكا .. عادةً يميلون إلى البدانة ، وهم أسَنُّ من الرؤساء ، وهم الأكثر منهجيةً في عرض أفكارهم ، ولهم منجزهم الفكريُّ أحيانًا .. لهذا هو (العوّا) !! رغم أن هذا سيغضِبُ الكثيرين.
2-    لو كنت في ديمقراطيةٍ راسخةٍ أخرى كإسرائيل: لانتخبت الدكتور (عبد المنعم أبو الفتوح) دون تفكير .. في إسرائيل ، منصب الرئيس شرفيٌّ ، ونظام الحكم پرلماني .. والدكتور (أبو الفتوح) له هذا القَبول لدى قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعب .. فضلاً عن كونه خرّيج قصرالعيني .. وهو هذا الأبويُّ في هيئته ، وأنا حقيقةً أحبه على المستوى الشخصي (تاني!!) .. وكفاية انه ذاكر باطنة ..
3-   لو كنتُ أكثرَ رضًا مما أنا عليه: لاخترت (أحمد شفيق) بالطبع .. هذا الخطابُ الفارغُ ، الذي سقط منه النحو سهوا .. الرجل لا يقول شيئًا تقريبًا .. وهذه هي فضيلةُ الصمت .. أسعى إلى الوصول إلى هذه المرتبة من الرضا ، التي أعودُ فيها إلى اللوغوس .. إلى الصمت.
              

No comments:

Post a Comment